أول ما يتبادر إلى قارئ الكتاب عنوانه، فإذا كان العنوان مثيراً للدهشة، محفزاً على الدخول إلى ما بعده، آسراً للفضول ليدخل في رحلة استكشاف عن خبايا وأسرار ما وراء أو ما في داخل الكتاب، فإن صاحب هذا الكتاب قد استطاع أن يحوز على نسبة عالية من النجاح، وكما يقال عن العناوين إنها عتبة النصوص أو ثرياها التي تضيء ما تحتها، فإن المنابر التي تصدح بصوت الحق، والمآذن التي يرتفع منها هذا الصوت الإيماني كالطائر المحلق في الفضاء، وتلك المباني التي تنطق بالروحانية والحس الهندسي التاريخي المتجذر في عمق الثقافة والدين هي دلالة واضحة وعميقة، وسمة مميزة تجعل من الأرض التي تضمها قبلة تهوي إليها أفئدة متعلقة بالنقاء والحب والخير والنماء .
إن إمارة الشارقة وهي تحتفل باختيارها في العام القادم عاصمة للثقافة الإسلامية لتؤكد دوماً على أنها تحلق في سماوات التألق والتميز والجمال، وتنطلق على أجنحة الغيم، تعلو يوماً بعد آخر متطلعة إلى الفضاء الأبعد الذي يرسل شعاعاً من فكر إيماني وثقافي ينعم بضوئه الجميع، وينير بمعطياته طريق التطور والحضارة .
إمارة الشارقة في عهد حاكمها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى - حفظه الله تثبت يوماً بعد آخر، وإنجازاً بعد إنجاز، ونجاحاً بعد نجاح أن الساس متين، وأن الأرضية التي تنطلق منها كل هذه المنجزات صلبة، وأن التربة التي تبذر فيها هذه الجهود تربة صالحة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وأن امتدادها في جذور التاريخ الثقافي والإسلامي طويل وعريق، وأن إرثها في هذا الجانب إرث ذو قيمة فنية وحضارية كبيرة، ولأن السلف حافظوا على هذا الموروث وأعطوه اهتمامهم، ورسخوا هذه القيمة في ذاكرة أبنائهم، فإن الأجيال توالت في ترسيخ هذا الفهم والمحافظة عليه، والمحاولة المستمرة في تفعيله وتطويره بما يتناسب مع الرؤية الحكيمة والنهج الوسطي السليم .
ها هي إمارة الشارقة بعد أعوامٍ طويلة من الزرع تقطف ثمار هذا الجهد، ويأتي العام القادم وكأنه العام الذي فيه يغاث الناس وفيه يعصرون البهجة والفرح بما قدم من فعل ثقافي وإسلامي متواصل، وها هي الشارقة التي لبست باستمرار ثوبها الأبيض الناصع، تبدو دائماً كالعروس التي تجر هذا الفستان، تثير الدهشة بفعلها الآسر الساحر، وهي في هذه الأيام ترش العطر وتنثر الورد وتبخر المكان تعبيراً عن فرحها بهذا الاختيار المستحق، وتقديراً وعرفاناً بدور فارس حلمها الذي أعطاها اهتمامه الكبير من أجل أن تبدو في أجمل صورة، وتخرج للعالم في أبهى حلة، فلولا هذه الرعاية والعناية المستمرة بالجانب الثقافي والإنساني والإسلامي من لدن صاحب السمو الحاكم، لما وصلت هذه الأرض إلى ما وصلت إليه من تميز ونجاح، وهي تعمل ضمن منظومة متكاملة من أجل أن تثبت هويتها، وتتكامل بهذا العطاء لتقدمه هدية لهذا البيت المتوحد "دولة الإمارات العربية المتحدة" منطلقة من ضمير هذا الاتحاد المخلص لوطنه وأمته، وحين نذكر الضمير نذكر أن الحياة لا تستمر بدون ضمير حي يعمل من أجل الحب للجميع، ومن أجل أن يسود الأمن والأمان والخير والعطاء، وينعم به المواطن والمقيم، فلهذا الضمير ينبض الحرف حباً ويقول:
أرضٌ على جنح الغمام محلقة
تصحو على خد الضيا لترافقه
في قلبها صوتُ الثقافةِ صادحٌ
ومنارةُ الإسلام فيها بارقة
سكنت بقلبٍ نابضٍ بوجودها
وأتت إليه مطيعةً لتُعانقه
هو من بفضل الله أصبح نبضَها
وبحلمه للمجد سارت واثقة
وقف الجميعُ تحيّةً لعطائه
سلطانُ نهرُ الحب نبضُ الشارقة
المصدر : جريدة الخليج الإماراتية - محمد عبدالله البريكي