لا يختلف اثنان ممن قرأوا المؤلفات التاريخية لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، على أنه قدم نموذجاً علمياً رصيناً ودقيقاً في التعامل مع التاريخ باعتباره أحد أهم الأمور التي تحكم طبيعة علاقات البشر ببعضهم بعضهاً، في ماضيهم وفي حاضرهم.
ويعد سموه حالياً أحد أبرز المؤرخين العرب الذين تصدوا بحزم لمحاولات جعل التاريخ مادة للتسلية، من دون تبين، ولا توثيق، فاختط لنفسه منذ مرحلة دراسته الجامعية للدكتوراه، منهجاً صارماً في التعامل مع الحقيقة التاريخية، وفق نسق قوامه الحرص على إبراز مسؤولية المؤرخ ككاتب لتاريخ الناس، والبحث عن الوثائق التي تدعم المعلومة، أو تنفيها، وتقديمها للناس كما هي في الأصل، لا كما يقرأها البعض من المؤرخين الذين يستخدمون التاريخ لمصلحتهم ولمصلحة أطروحاتهم الأيديولوجية.
لقد جسد سموه في كل مؤلفاته في تاريخ المنطقة العربية والخليج العربي، وتاريخ المسلمين في أوروبا، والرحلات الاستكشافية للبرتغاليين وغير ذلك، قيماً أصيلة في الكتابة التاريخية تستحق الدراسة والاطلاع عليها من قبل بعض المؤرخين الذين يستسهلون التعامل مع المادة التاريخية، ويذهبون بعيداً عن حقيقة المعرفة التاريخية، ولا ينتبهون لخطورة التاريخ، وحساسية التعامل معه وضرورة الحرص في كل ذلك.
أولويات
ركّز صاحب السمو حاكم الشارقة في أكثر من حديث عن تاريخ المنطقة العربية وتاريخ المسلمين وعلاقتهم بالآخر، على أولوية أن يتمتع المؤرخ الذي يتصدى لكتابة التاريخ والبحث فيه بروح المسؤولية، واستشعار خطورة وأهمية ما يقوم به، وقد كان آخر حديث له في ذلك المجال حين أكد في حديث لسموه عشية انطلاق معرض فرانكفورت الدولي للكتاب في دورته لهذا العام 2018، أن الكتابة بالنسبة للكاتب الحقيقي، جزء من حياته، وقطعة من قلبه وشغفه ومسؤوليته الإنسانية، تجاه ما يقدمه إلى القارئ والأجيال الحاضرة والقادمة. واعتبر سموّه أن الكُتّاب الذين يتعاملون بمسؤولية في نشر الحقائق، ينصفون التاريخ، ويحفظون للمستقبل إرثاً معرفياً لا ينضب.
وأشار سموّه إلى أن هنالك الكثير من المعارف الملتبسة وغير المدعومة بالحقائق، قدمها كُتاب ومؤلفون ومؤرخون، من دون أي أدلة، أو مراجع موثقة، وأن الواجب يحتم على الكاتب الحقيقي أن يواجه الزيف بالحقيقة، ويواجه المعلومة الملتبسة بالمعلومة الموثقة، ولا يواجههم بالقرارات، أو السلطة.
وفي توجيه تربوي رصين للمؤرخين ذكر سموّه أن بحثه عن الحقائق التاريخية، دفعه إلى زيارة مراكز ثقافية ومكتبات عالمية، ومطالعة المخطوطات التي وثق فيها المؤرخون مشاهداتهم، وأنه لم يركن للظاهر، لأن الحقائق التي يسهل الحصول عليها، قد تكون هشة، ولا تشبع شغف الباحثين عن الحقائق والمؤلفين الملتزمين، وأكد أن لا شيء يضاهي سعادة الكاتب عندما ينتهي من تأليف كتاب، والمؤرخ عندما ينجح في كشف غموض مرحلة تاريخية ما.
ومن أجل مواجهة غموض الحقائق الملتبسة، وكشف زيف الأطروحات التاريخية التي يروجها البعض باستعمال القوة الاستعمارية الغاشمة، خصص سموه كتاباً كاملاً بعنوان «إني أدين» لكشف ما فعله الإسبان بالموريسكيين العرب في الأندلس، وفضح نقضهم لكل المعاهدات التي وقعوها مع المسلمين بعد سقوط الأندلس في أيديهم، وجعل سموه كتابه ذاك الزاخر بالوثائق التي لا تقبل نفياً، ولا شكّاً، وثيقة مهمة أشبه بمرافعة قانونية قبل أن تكون مادة تاريخية معرفية، وقدم من خلال كتابه هذا عشر إدانات، تجسدها عشر وثائق إسبانية استطاع سموه الحصول عليها بعد بحث دقيق واستقصاء، وقال عن ذلك: «اقتنيت عدداً من الوثائق الإسبانية، وهي تعود إلى الفترة ما بين 1530م، وعام 1610م، وهي فترة مأساة مسلمي الأندلس، وبعد ترجمتها من اللغة الإسبانية إلى اللغة العربية، ودراستها، اخترت منها 10 وثائق تدين فئات من الشعب الإسباني في تلك الفترة، سواء أكان ملكاً، أم قاضياً، أم كنيسة، أم جماعة من الناس؛ لما قاموا به من جرم تجاه مسلمي الأندلس، بعد أن هادنوهم فترة من الزمن، بعد توقيع الملكين الكاثوليكيين لأبي عبد الله الصغير بالتعهدات بعدم المساس بالمسلمين في عبادتهم وأملاكهم».
ثم شرح سموه بعد ذلك، وبشكل منهجي واضح، مجمل تلك الإدانات مدعمة بوثائقها فقال: «لقد قمت بوضع تلك الوثائق في صورة إدانات أدين بها كلَّ من قام بتلك الأعمال الشنيعة تجاه مسلمي الأندلس، وهي بالتالي: الإدانة الأولى: الإعدام لأتفه الأسباب، الإدانة الثانية: الإهانات غير المتناهية التي تعرض لها شعب غرناطة، بعد أن قاموا بثورتهم المسلحة في مملكة غرناطة، نتيجة لاضطهاد الكنيسة، الإدانة الثالثة: مصادرة أراضي الموريسكيين المسلمين من قبل القصر الملكي، وبيعها للمسيحيين ممن وردوا على الأندلس، الإدانة الرابعة: اتخاذ أبناء وبنات الموريسكيين الذين ثاروا، والذين تتجاوز أعمارهم العاشرة والنصف للأبناء، والتاسعة والنصف للبنات، عبيداً للذين أوقفوهم، أو اعتقلوهم، أما الصغار فيستودعون عند أناس يربونهم ويعلمونهم الديانة المسيحية، الإدانة الخامسة: السجن لكثير من الموريسكيين الأبرياء، الإدانة السادسة: إجراءات التنصير على الموريسكيين، وبخاصة على أطفالهم، الإدانة السابعة: طرد الموريسكيين من مملكة إسبانيا بغير رحمة، الإدانة الثامنة: مراقبة الذين لديهم تصريحات استثنائية لبعض الموريسكيين ليبقوا على الأراضي الإسبانية، الإدانة التاسعة: معاقبة كل من ارتحل إلى بلاد المسلمين، سواء أكان للحج أم للتجارة، بفصل أولادهم عنهم، وتربيتهم لدى الأساقفة ورجال الكنيسة، الإدانة العاشرة: طرد الموريسكيين من الأندلس من دون ذنب اقترفوه، فاتهموهم بأن هناك اتصالاً بينهم وبين الأتراك».
من هذا الكتاب الذي هو أحد النماذج التي جسدت أسلوب ومنهج سموه في الكتابة التاريخية وأهدافها، يتبين للقارئ حرص سموه على كشف الزيف والظلم الذي مارسه ويمارسه الآخرون، من خلال استعراض ممارساتهم التاريخية، كما حدثت فعلاً، لا كما يُروج لها أو يُراد لها أن تفهم، وتتضافر مسؤولية سموه تجاه الأمة من خلال جهده التاريخي الرشيد هذا، مع إحساسه الأكاديمي الذي لا يسمح بإبقاء الدعاوى التاريخية الباطلة والمنتشرة من طرف بعض المؤرخين الذين لا يبذلون جهداً للتحقق منها، وهو ما حدث في نماذج أخرى من أعمال سموه التاريخية، مثل تحقيقه القيّم جداً لمخطوطة دورتي باربوزا تحت عنوان «رحلة بالغة الأهمية»، فضلاً عن قيامه قبل ذلك بجهد استقصائي كبير من أجل دحض الرواية التاريخية المشوهة لقصة عالم البحار المشهور ابن ماجد، وبين كل ذلك قناعة سموه التي عبر عنها في مناسبات عدة، والتي يعتبر من خلالها بأن التاريخ لا ينبغي أن يخضع للأهواء.
التمكن من الأدوات
في جلسة نقاشية مؤخرا لكتابه الهام «رحلة بالغة الأهمية» في أكاديمية العلوم في لشبونة، والتي منحت سموه عضويتها في عام 2013، وبحضور العديد من المؤرخين البرتغاليين، أكد سموه بعقلية المؤرخ المتمكن من أدواته، والواعي لحجم المسؤوليات الملقاة على عاتق أي مؤرخ حقيقي، أن صفحات التاريخ لا تكتب بالأهواء، ولا بالقوة، بل بالبحث والتقصي والعدالة والحقيقة، وأن من بين ما يسعى إليه من خلال العديد من مؤلفاته التاريخية هو توثيق تاريخ دولة الإمارات ومنطقة الخليج، وعلاقتها بالعالم.
وأوضح سموه أن كتابة تاريخ الدولة والخليج العربي برؤية عربية خليجية، وبالاستناد إلى الأدلة والمخطوطات التاريخية، وشهادات المؤرخين الأجانب أنفسهم الذين عاصروا تلك المراحل، يؤسس لحاضر ومستقبل مبني على فهم صحيح لحضارتنا، وشعوبنا، ويساعد في بناء علاقات تقوم على الحقائق والاستيعاب الأعمق لجذور علاقاتنا وصراعاتنا التاريخية مع الاحتلال في تلك الفترة.
وقد طبّق سموه ذلك المنهج في كل أعماله التي وثقت تاريخ المنطقة، ومن بينها على سبيل المثال العمل المشار إليه آنفاً، والذي يعد هو الآخر عملاً مرجعياً يفسر ويجسد منهج سموه في التعامل مع الوثائق التاريخية، ويبرز كم الاحترام الكبير الذي يحيط به المتلقي، حين يعرض له تلك الوثائق كما هي في الأصل، ومن دون أن يفرض عليه أية قراءة لها، وإنما يضعه في صلب حقائقها ويترك له قراءة ما بين السطور.
ففي الكتاب المشار إليه على سبيل المثال، عرض سموه وثيقة مهمة هي المخطوطة الكاملة لكتاب دوارتي باربوزا 1565، استعرضت رحلة استكشاف بحرية شملت محطات عدة، وكشفت عن علاقة الغرب «البرتغاليين» بالشعوب التي وفدوا إليها، ودلت تلك الوثيقة على أساليب القمع والهمجية التي كانوا يتعاملون بها مع بعض من جاؤوا إلى بلدانهم.
تبدأ الرحلة من رأس سان سباستيان، وتنتهي عند سواحل الصين، وتمر خلال ذلك بالخليج العربي، وما بين بدايتها ونهايتها كتاب يستحق الدراسة بتأن وبروح البحث الإنثروبولوجية، والسوسيوثقافية، لأنها تقدم في سردها المبسط معلومات قيمة تكشف جوانب من الصور النمطية التي تروج اليوم عن حضارة الغرب، وإنسانيته في نشر تلك الحضارة، فالحقيقة البارزة التي تكشفها هذه المخطوطة البالغة الأهمية، والتي اهتم بها سموه اهتماماً شديداً، أن التوسع والاحتلال والجشع هي الهدف الأساسي الذي حرك الأوروبيين والبرتغاليين نحو منطقتنا العربية خاصة، ونحو المنطقة بشكل عام، وأنهم في سبيل ذلك لم يتورعوا عن شيء، وأتوا أفعالاً لا تمت لحقوق الإنسان، ولا لمواثيق الحروب العادلة بأية صلة.
ومن خلال مواضع عدة من الكتاب يقدم لنا سموه أحاديث باربوزا في وثيقته عن أفعال البرتغاليين ضد شعوب المناطق التي يأتونها، وترفض الخضوع لها، فيقول مثلاً تحت عنوان فرعي هو «مومباسا» حين يتحدث عن ملكهم المسلم، وعما فعلوه في مدينته: «ولعدم رغبة ملك هذه المدينة في الانصياع لأوامر سيدنا وملكنا، لكبريائه، فقد خسر المدينة، وأخذناها منه بالقوة نحن البرتغاليين، فر هو منها، وقتلوا الكثير من الناس، وكذلك ألقوا القبض على العديد من رجاله ونسائه، ما يعني أن المدينة دمرت ونهبت وأحرقت..»، إلى أن يقول في نهاية هذه الفقرة «وقد تُركت المدينة في حالة خراب».
وفي فقرة أخرى تحت عنوان فرعي هو «مدينة براوه»، يؤكد باربوزا نفس النهج المدمر المخرب الذي انتهجه البرتغاليون حين يقول في موضع آخر: «ولقد تعرض هذا المكان للتدمير من قبل البرتغاليين، حيث قتلوا الكثير من سكان هذه المدينة، وأخذوا العديد من الأسرى، وغنيمة كبيرة من الذهب والفضة والبضائع، بعد ذلك هرب العديد منهم إلى البر الداخلي تاركين المدينة».
وفي قرية يسميها الكاتب بعنوان فرعي آخر هو «بربرة»، يقول: «استولى البرتغاليون على هذه القرية بالقوة، بواسطة أسطول بقيادة أنطونيو دي سالدانها، ودمروا القرية بأكملها سنة 1518م».
ويتضح من خلال كتاب سموه هذا، وطريقة عرضه للوثيقة الأصلية من دون أي إضافات، ولا حذف، ولا تعديل، أنه مقتنع تماماً أن من حق القارئ أن يعرف الحقيقة سواء كان عربيا، أو غربياً، وقد أكد على ذلك بترجمة الوثيقة إلى اللغة الإنجليزية، إضافة للغة الكتاب الرئيسة وهي العربية.
دقة بالغة
وسموّه هنا يجدد التأكيد على المنهج نفسه في الكتابة التاريخية الذي طبقه بنفس الطريقة والدقة والتوثيق، والبحث عن أصول الحقائق التاريخية منذ ما يناهز 18 عاماً، حين قرر التصدي للنظرية التاريخية التي تزعم أن البحار العربي أحمد بن ماجد هو الذي دل المستكشف البرتغالي فاسكو دا غاما على الطريق من الساحل الشرقي لإفريقيا إلى الهند، وهي معلومة تاريخية كانت متداولة لدى العديد من المؤرخين، قبل أن يثبت سموّه أنها لا تستقيم، ويأتي بالدليل البين على ذلك.
فقد أصدر سموه كتابه الشهير المعنون ب«بيان للمؤرخين الأماجد في براءة ابن ماجد»، في سنة 2000م، وذكر في مقدمته ما حصل بعد محاضرة له كأستاذ للتاريخ الخليج العربي الحديث في جامعة الشارقة، حين قال لطلابه آنذاك إن الذي أوصل «فاسكو دا غاما» من الساحل الشرقي الإفريقي إلى الهند هو «غجراتي» من الهند، وليس أحمد بن ماجد، وبعد المحاضرة سمع سموه أن بعض أساتذة التاريخ يرفضون ذلك، ويتمسكون بتلك المعلومة الخاطئة التي تزعم أن أحمد بن ماجد هو الذي أوصل فاسكو دا غاما إلى الهند، كما علم سموّه أن منهج وزارة التربية والتعليم في المدارس الحكومية في الدولة، يتضمن أيضاً ذلك، فقرر سموه العمل على تصحيح تلك المعلومة بالأدلة التاريخية الموثقة.
وفي السنة نفسها التي أنجز فيها كتاب البيان هذا، قرر سموه أن يتتبع ويجمع كل الأدلة التاريخية التي تتحدث عن رحلة فاسكو داغاما، سعياً للوصول إلى مرشده في تلك الرحلة، فعثر على كتاب عنوانه «فاسكو دا غاما»، من تأليف البروفسير إيدغر برستيج، وفيه يذكر برستيج أثناء سرده المعلومة التالية: (وباحتجاز الخادم الخاص للسلطان، حصلنا على مرشد غجراتي حسبناه مسيحياً)، ويقول برستيج أنه حصل على تلك المعلومات من «اليوميات» التي حكت وقائع الرحلة الأولى لفاسكو دا غاما 1497 - 1499، والتي طُبعت بوساطة «ديوغو كوبك» عام 1838، وترجمها «أي. جي. رفنستين» عام 1869، ومن ثم تتبع سموه تلك «اليوميات» مدققاً في كل المصادر المختلفة لها كي يتحقق منها، واستطاع بعد ذلك الجهد المهم أن يخلص إلى أن المخطوطة هي في الأصل تخص دير سانتا كروز في البرتغال، وقد نقلت مع مخطوطات ثمينة أخرى إلى المكتبة العامة في «أوبورتو» في البرتغال، فانتقل سموه آنذاك إلى تلك المكتبة، واطلع على مخطوطة يوميات الرحلة هناك، واستطاع عندئذ الوصول إلى ما كان يبحث عنه، ونشر ترجمة عربية لجزء من تلك المخطوطة في كتابه المشار إليه آنفاً، مبيناً بشكل علمي ورصين بُطلان المعلومات التي كانت متداولة عن رحلة ابن ماجد، ودوره في مساعدة فاسكو داغاما.
لم يكتف سموه في كل أعماله التاريخية بدور المتفرج والراوي للأحداث الماضية كما يفعل بعض المؤرخين العرب، والأجانب، بل انطلق من فهم سليم لفلسفة التاريخ، ولماهيته المرتبطة بالمعرفة، ودقق ووثق كل ما يتطلب التوثيق، وقدم للقارئ العربي أينما كان نموذجاً متكاملاً يحتذى لا لفن الكتابة التاريخية فقط، بل في صناعة الوعي والحرص على المعرفة الحقيقية الخالصة.
التاريخ حق للجميع
حرص صاحب السمو حاكم الشارقة على إبراز رؤيته التاريخية ومنهجه في أعماله الأدبية والمسرحية، ويدل ذلك على رغبته في توصيل تلك المفاهيم العلمية والمعلومات التي استقاها من عمله كمؤرخ إلى نطاق أوسع، بعرضها على غير المتخصصين في قوالب درامية يفهمونها، وتجتذبهم، ويقدم لهم من خلالها للأجيال الحالية واللاحقة مصادر المعرفة التاريخية الموثقة بأسلوب مبسط.
وفي هذا السياق، يمكن تلمس تلك النظرة العميقة التي تبرز في انتقاء سموه لمواضيع مسرحياته التاريخية، وكيف يقدمها من خلال عرض خريطة التاريخ العربي الإسلامي، وربطه بالواقع الحالي، فهو يكتب بأسلوب صناعة استنطاق الماضي لتشكيل بناء معاصر مشرق وزاه، ويظهر ذلك في عدة نماذج من بينها مسرحيات «عودة هولاكو، وشمشون الجبار، والقضية».
ويمكن القول إجمالاً، إن رؤية سموه التاريخية تنطلق في مرتكزاتها من رؤيته للثقافة بأنها كائن لا يمكن أن يكون مؤقتاً، ولا مستورداً، بل لا بد أن تكون ثقافتنا أصيلة مبنية على تواصل مع الماضي، بالقدر نفسه الذي ينبغي أن تكون فيه متواصلة مع الحاضر، وقادرة بقوة ورصانة على استشراف المستقبل وإعداد الأجيال له.
المصدر: ملحق الخليج الثقافي – محمدو لحبيب