The Pawned Dagger

صورة الغالف : صورة اخلنجر الذهبي املرهون .

اخلنجر املرهون - اخلنـجر 1939 القاسـمي، سـلطان بـن محمـد بـن صقـر، حاكـم الشـارقة، املرهون / سـلطان بن محمد القاسـمي .- الشـارقة، اإلمارات العربية املتحدة : منشـورات .2024 القاسمي، ص. ؛ - سم. 978-9948-000-00-0 ردمك : - القاسـمي، سـلطان بن 2 الشـارقة (اإلمارات العربية املتحدة) - امللوك واحلكام -1 - القاسمي، سلطان بن محمد بن 3 - مذكرات 1939 محمد بن صقر، حاكم الشارقة، - املكتبات اخلاصة أ - العنوان 4 - الكتب والقراءة 1939 صقر، حاكم الشارقة، 923.15353 ق س. خ 2 ، MC-03-01-3333211: مجلس اإلمارات ص. 42 13 x 19 سم. 978-9948-749-41-7 العنوان: اخلنجر املرهون املؤلف: الدكتور سلطان بن محمد القاسمي الناشر: منشورات القاسمي، الشارقة، اإلمارات العربية املتحدة

م ١٩٥٣ سلطان بن محمد القاسمي عام

7 املقدمة أحببـت الكتـاب مـن حبّـي لعمـي الشـيخ سـلطان بـن صقـر القاسـمي ، حيـث كثيـرا مـا كنـت أشـاهده يقرأ الكتـب ، وأنظر إلى وجهه فأجـده يظهـر تعابيـر كثيـرة ، وهـو سـارح في عوالـم املعرفـة ، فأقلـده دون أن أفهـم مـا فـي الكتاب ، لذلك أسرعت لتعلم القراءة والكتابة ، وأخـذت أتـدرب علـى القراءة حتـى أجدتها ، وكنـت أحلـم أن تكـون لـي مكتبـة مثـل مكتبة

عمي الشـيخ سلطان بن صقر القاسمي ، وأخيرًا كانـت لي تلك املكتبة . املؤلف 8

9 كان عمـي املرحـوم الشـيخ سـلطان بـن صقر القاسمي ، حاكم الشارقة ، له مكتبة خاصة في حصن الشارقة ، وأخرى في البيت الغربي . كان والـدي الشـيخ محمد بن صقر القاسـمي دائمًا يأخذنـي معـه عنـد زياراتـه اخلاصـة لشـقيقه ، الشـيخ سـلطان بن صقر القاسـمي ، فكانـا يلتقيان في املكتبة ، أكانت في احلصن أم في البيت الغربي ، وقد كان وضع املكتبتني يسـمح بالدخـول مـن جهـة املجالـس ، ومـن جهـة املنزل الداخلي .

10 م ، 1948 في ذات مرة ، من شهر يونيو عام اجتمع والدي مع شـقيقه الشـيخ سلطان بن صقر في املكتبة بالبيت الغربي ، وفي املجلس التابع للمكتبـة ، حيث تتصل املكتبة من ناحية بغرفة نـوم الشـيخ سـلطان بـن صقـر القاسـمي ، ومـن الناحيـة األخـرى مبجلـس املكتبـة الـذي يتصل باملجلس العام . بينمـا كان عمـي الشـيخ سـلطان بـن صقـر القاسـمي يتحدث مع شـقيقه ، والدي ، دخلت إلـى املكتبـة ، فوجدت كتاب ًا مفتوحا كان عمي يقرأ فيه ، حاولت أن أقرأ من الصفحة املفتوحة حيث كان عمي يقرأ . وقتهـا كان عمـري تسـع سـنوات ، وكنـت أسـتطيع القـراءة ، وفجـأة دخـل عمـي الشـيخ سـلطان بـن صقـر القاسـمي ، ليقـول لـي: هـذا

11 الكتـاب ال يقـرأ الصغـار مثلـك ما فيـه ، والدك سيخرج . مـا هـي إّلا أشـهر عديـدة ، ومـرض الشـيخ سلطان بن صقر القاسمي ، ونقل إلى بومبي في م . 1949 الهند في شهر مايو عام تقرر نقل الشيخ سلطان بن صقر القاسمي إلى م ، 1951 لندن ، في الثامن من شهر فبراير عام لكـن املنيـة وافته في الثالث والعشـرين من شـهر م . 1951 مارس عام اسـتغرق نقل اجلثمان من لندن إلى الشـارقة مـدة من الزمـن ، حيث يتطلب األمـر إجراءات ومدة للسـفر . اجتمع ابنا املرحوم الشـيخ سلطان ابـن صقـر القاسـمي ، وهمـا سـالم وعبـد الله ، وأخي عبد العزيز وبعض أصدقائهم ، في مجلس املكتبة في البيت الغربي ، يلعبون الورق .

12 أمـا أنا فقد دخلـت إلى املكتبة وأخذت أقرأ في الكتب ؛ كان عمري يومها اثنتي عشرة سنة ، وأول كتـاب بـدأت أقـرأ فيـه كتـاب احليـوان للجاحـظ ، وكان عمـي الشـيخ سـلطان بـن صقر القاسـمي علـى حق عندما منعنـي من القراءة في ذلك الكتاب . علـى مـدى أسـبوع كامل ، وأنا أنقل أسـماء الكتب ومؤلفيها بعد أن أحضرت كراسة ومحبرة وقلم غط ، وقد استطعت أن أنقل جميع ما كان في تلك املكتبة . معظم تلك الكتب تم شراؤها من مكتبة املؤيد بالبحرـين . وـقررت أن أؤـسس مكتـبة خاـصة بي ، وأشتري كل تلك األعداد من الكتب . م ، 1951 فـي الثانـي مـن شـهر إبريل عـام

13 وصـل جثمـان الفقيـد الشـيخ سـلطان بـن صقـر القاسمي ، ليوارى التراب في مقبرة اجلبيل . علـى مـدى سـنتني ، وأنا أحـاول أن أجمع الكتـب لتكويـن مكتبتـي ، ولكنـي لـم أجـد من يقرضنـي مبالـغ أسـتطيع أن أسـددها عـن ذلـك القـرض . فأخـذت أسـتعير الكتـب مممن كانت لديـه ، فمنهـم عبـد الواحد اخلاجـه ، املوظف ببلديـة الشـارقة والتـي تقـع على امتداد السـوق ومنـه إلـى اجلنـوب ، حيث الدوائـر احلكومية وهـي : دائـرة اجلمـارك واملينـاء ومديرهـا عبـد الرحمن بن محمد املدفع ، ومبنى اإلدارة العامة للشؤون املالية واإلدارية ومديرها أحمد بن محمد املدفع ، وبلدية الشـارقة ورئيسـها الشيخ محمد بن سـلطان بـن صقر القاسـمي ، ومجلس الوزير إبراهيم بن محمد املدفع .

14 كان مسـكن عبـد الواحد اخلاجه في شـرقي البلـد ، والبلديـة في غربهـا ، وكان مير مبقهى سرباز التي كنت أجلس بها ، ومحمد بن صالح الـقرق املوـظف ـفي الوكاـلة البريطانـية واـلذي كان يسـكن فـي جـزء مـن بيـت السـركال قبالة مقهى سـرباز ، والذي كان مير بها يوميا ذهابًا وإياب ًا إلـى عملـه ، وابـن عمـي الشـيخ صقر بن حميد القاسمي ، وذات مرة وجدته جالسا على كرسي طويل أمام بيته ، وكان البيت على قارعة الطريق اآلتي من املسجد والسوق ، وإذا به يقرأ كتابا وعنوانه: " ال أنام " إلحسان عبد القدوس ، فطلبت منه أن يعيرني ذلك الكتاب ، فتعلل بأنه يقرأ فيه ، فقلت له : ليلة واحدة ، فوافق . فـي اليوم التالي كان الشـيخ صقـر بن حميد القاسـمي يجلـس أمـام بيتهم فسـلمته الكتاب ،

15 فنظر إلي مستغربا كيف أني قرأت ذلك الكتاب الضخم وسألني: كيف انتهيت من قراءة الكتاب ؟ فأجبته: الكتاب يقرأ من عنوانه . كان مممن طلبـت منهـم قرض ًا رجـل يدعـى أحمـد بـن إبراهيـم املال ، كان قد أقام في بداية م مقهـى فـي مجلس بيت حسـن بن 1953 عـام عبـد الرحمـن املدفع ، املُطل على السـوق وخور الشارقة . طلبت من أحمد بن إبراهيم املال قرضا من املال . قال أحمد املال: كم تريد ؟ قلت: مئة روبية . قال: الله أكبر !!! ، مئة روبية !!! ، وأنا

16 أبيع كوب الشاي ، بآنة واحدة !!! ، ( الروبية آنة ) . 16 تساوي قـال أحمـد املال: مـا الـذي ستشـتريه بهـذا املبلغ ؟ قلت: كتب . ثـم عـاد وقـال : ال يوجد معي أي مبلغ من املال !!! ، لكن زوجتي عندها املال . انتظرني هنا في املقهى ، وسـأذهب ألسألها . كان أحمـد املال وزوجته وابنته يسـكنون في منزلهـم املالصـق لبيـت حسـن بن عبـد الرحمن املدفع . ما هي إّلا دقائق معدودة وإذا بأحمد املال قد عاد ، يتمايل في مشيته . ًبادرته قائالً: بَشّر .

17 قال أحمد املال: وافقت ، لكنها تطلب رهنا . قلت: مثل ماذا ؟ قال أحمد املال: ذهب . سألت أحمد املال: ما اسم زوجتك ؟ قال: اسمها نصرة بنت محمد . كتبت اسمها على أوراق كانت في جيبي ، وأسرعت إلى بيتنا . م ، كنـا نقيم في 1953 فـي شـهر مايو عـام بيتنـا بالشـارقة في املبنـى الصيفي منه ويقال له "الدهريز" وهي كلمة محرفة من كلمة "دهليز" ، وكانـت "الدهاريز" مبنية قبالة اجلهة الشـمالية حيث تهب الرياح الصيفية . كان هنـاك "بارجيـل" مالصٌق للدهريـز ،

18 وكلمـة بارجيـل باللهجـة احملليـة هـي كلمـة محرفـة مـن كلمـة فارسـية "بادجيـر" ومعناهـا القـط الهـواء ، وكان يلقـط الهـواء مـن أربـع جهات . كثيـرة تلـك الكلمـات ، والتـي دخلـت إلى اللهجة احمللية مثل: الـسرير: ويـقال ـله ـشبرية ، وـهي محرـفة ـمن كلـمة فارـسية وـهي "جهارباـئي" : ذات األربع أرجل . شـباك: ويقال له دريشـة ، وهي محرفة من كلمة فارسية وهي "دريجه" : الباب الصغير . اخلخدم فـي بيتنـا كثيـرون من رجال ونسـاء وصبيـة . ومـن الصبيـة سـعيد الضابـط وسـعيد األسـود ، وبرهـوم صحـن األوتيـل ، وقد س ّمّي

19 بذلك االسـم للتفرقة بينه وبني صبي آخر يدعى إبراهيـم ، لـم أكن أتذكره هو وآخر يدعى حَمّود ولـد منينـة ، حيـث كبـرا في السـن ، وأصبحا رجاال ، وحلقهما برهوم صحن األوتيل . جـاء برهـوم صحن األوتيل إلى بيتنا في أحد أيام شهر مايو ظهرا ، ومن أحد شبابيك "الدهريز" ، وهـي عديـدة ، لدخول الهواء إلـى داخل الدار ، أخـذ برهوم صحن األوتيل يحـدث والدتي والتي قالت له : ال تروّح ، تغدى هنا اليوم . فـي ظهـر "الدهريـز" ، كنـت قـد علقـت خنجـري الذهبـي على وتـد هناك ، حتى إذا ما جـاء الليـل الحظت والدتي أن اخلنجر ال وجود لـه علـى الوتـد ، حينها سـألتني والدتي قائلة: سلطان ، أين خنجرك ؟ قلت: عندي .

20 أعـادت والدتـي السـؤال : عنـدك ؟! أيـن عندك ؟! قلت: محفوظ . قالت: أبدا ... اخلنجر سـرقه برهوم صحن األوتيـل ، أنـا من الشـباك حملت عينه مسـلطة عـلى اخلنـجر ... أكـيد أـنه ـهو اـلذي ـسرق اخلنـجر ... أـقول ـله: ـستتغدى ، وملا ـسألت عنه ؛ قالوا: لم يتغد ... سأخبر محمد (والدي) بذلك ليضربه ... ويهدده بقطع يده . أقسـمت لوالدتي ميينا أن اخلنجر عندي . فلـم تقتنـع والدتي ، بذلـك ، لكنها أخذت تردد في بالها: أين ذهب اخلنجر ؟ خرجـت صباح اليوم التالـي من بيتنا حامال خنجـري الذهبـي ، والـذي أخفيته عـن والدتي

21 ـطوال اللـيل ، فـقد لففـته بغـترة قدميمة كاـنت لي ، فلو أحلّت والدتي أكثر ، ألخرجته لها ، لكنـني كـنت خائفا ـمن أن تأخذه مـني وتضعه في صندوق لها ، وتقفل عليه . فـي مقهـى أحمـد املال ، سـلمت ألحمد املال اخلنجـر الذهبـي ، والـذي بـدوره ، حملـه إلى زوجته وعاد باملبلغ في كيس قماش . ـفي رـكن ـمن املقـهى اخلاـلي ـمن الزباـئن ، أخذت أعد املبلغ ... روبية ... روبية ، وأجعل منهـا أكوام ًا مـن الروبيات ، كل عشـر روبيات متثـل كومـة مـن الروبيـات ، حتى بلغت عشـر كومات . خرجت من مقهى أحمد املال ، حامال كيس الروبيات ، وأخذت طريقي في السوق ، والذي

22 يتجه إلى الشمال ، لكن أهل الشارقة يقولون : ذاهبني إلى الشرق . يبدأ سوق الشارقة من املسجد اجلامع الكبير ، حيـث سـوق اخلضار واللحم والسـمك ، ومن ثم سـوق احلدادين ، وقبالته سـوق الصفّارين ، ثم سـوق التمر حيث ندخل إلى سـوق الشـناصية ، واحملالت فيـه عديـدة حيث تباع هناك احلصر املصنوعـة مـن السـعف ، وكذلك احلبـال بأنواع مختلفة وامللح . بعد سوق الشناصية ندخل في ساحة محاطة بالدكاكني يقال لها: عرصة الفحم ، حيث يباع الفحـم ، وخلفـه املناخ حيث تبقـى اجلمال بعد إنزال الفحم ، طوال اليوم ، ثم ترحل . وصلـت في طريقي إلى دروازة سـوق صقر ،

23 ويقـال لهـا: الـدروازة الغربيـة ، والـدروازة بالفارسية : الباب الكبير . ميتـد سـوق صقر مبحالته املتعـددة األغراض حتـى الـدروازة الشـرقية ، حيـث نخـرج منهـا لنشاهد بيت السركال ، حيث كان بيت الوكالة البريطانية سـابقا ، وقبالته مبنى من دور أرضي كتـب علـى بابـه: البنـك البريطانـي ، حيـث دخلـت إليه ، وقمـت بترتيب حتويل مبلغ مئة روبية لصاحب مكتبة املؤيد باملنامة - البحرين . الغرض: شراء كتب . وأي كتب ؟ قلـت للموظف: ما عليك إّلا أن حتول املبلغ للمكتبة . فـي مسـاء ذلـك اليـوم ، وبعـد أن أخرجـت

24 األوراق التـي سـجلت عليهـا كتب عمي الشـيخ سـلطان بن صقر القاسـمي من مكتبته في البيت الغربـي ، أخـذت أكتب رسـالة لصاحب مكتبة املؤيـد باملنامـة بالبحريـن ، أخبـره فيهـا بأنـي حولت حلساب املكتبة مبلغ مئة روبية مقدما ، لشراء كتب حسب القائمة املرفقة مع الرسالة ، وإذا بقي شـيء من املبلغ فإني سأرسـل له قائمة أخرى بالكتب املطلوبة . عنواني: سلطان بن محمد القاسمي الشارقة - ساحل عُمان كانت قائمة الكتب: - كتاب نهج البالغة . 1 - الشوقيات . 2

25 - احلسن البصري . 3 - عنترة بن شداد . 4 - ألف ليلة وليلة . 5 - جواهر األدب في صناعة إنشاء العرب . 6 خرجت من بيتنا إلى محطة سيارات األجرة ، حيث تصل السيارات القادمة من دبي ، ويصل أبـو أحمـد صاحـب البريـد ، فسـلمته الرسـالة وبعـض النقـود قيمـة الطوابـع البريديـة التـي سيلصقها على ظرف الرسالة . بعد بضعة أيام وصلت إلي رزمة الكتب التي طلبتها من مكتبة املؤيد بالبحرين عن طريق مطار الشـارقة ، حيـث أوصلهـا لـي إبراهيـم عسـكر املوظـف فـي مطـار الشـارقة ، وهو املسـؤول عن البريد القادم إلى مطار الشارقة ، حيث كان ينقله

26 إلـى بريد دبـي ، لكنه عندما الحظ اسـمي أوصل رزمة الكتب إلى بيتنا . اسـتلمت رزمـة الكتـب ، وحملهـا لي بعض اخلخدم ، حيـث تـم وضعها في وسـط املخزن ، وهـو بنـاء كبيـر ننام كلنا هنـاك . املكان مظلم ، حيث ال يوجد أي منفذ للنور إ ّلا من شباك واحد لذلـك املبنـى الكبيـر ، ولـه بـاب قبالـة مشـرق الشمس ، كل ذلك إلدخال الدفء لذلك املبنى . كان الزمـان شـتاء وفـي شـهر نوفمبـر عـام م ، قمت بفرش الكتب على أرضية املخزن 1953 وفي وسطه بالتحديد ، وبدأت أتصفح الكتب ، والنسـاء مـن اخلخدم يشـتغلن فـي املخـزن ، بالتنظيف ، أو إخراج بعض األشـياء أو وضعها هناك ، وأنا أصيح : " من هناك ... ال من هنا ... من هنا " .

27 قمـت بوضـع الكتـب فـي الدريشـة ، والدريشـة هـي طاقـة فـي اجلجدار ، وأخـذت أنـزل الكتب كتابا بعـد كتاب تصفحته . - كتـاب احلسـن البصـري ، وإذا بـه سـيرته وشـخصيته وتعاليمـه وآراؤه ، وإذا بهـا األحكام الشـرعية والوعـظ واحلديث . ملاذا طلبت هذا الكتاب ؟ ، ألنه من مكتبة عمي الشـيخ سـلطان بـن صقـر القاسـمي ، حاكم الشارقة ، ويحتاج ملعرفة األحكام الشرعية . - رواـية عنـترة ـبن ـشداد ، ـقرأت الكـتاب بـسرعة ، حـيث أعجبتـني تـلك الرواـية ، ولو أن بها خياال واسعا . - ألـف ليلـة وليلة ، قرأت ذلك الكتاب ، وإذا به اخليال كله ، فذلك ال يهم ، بقدر ما في ذلـك الكتاب ، من تشـبيه للعهر ، فأخذت

28 ألغـي أجـزاء كثيرة من ذلك الكتاب ، ألنني قـررت أن أروي ذلـك ، وإذا بـي أنشـغل بروايـة تلـك الروايـات بني الطلبـة وبيـوت اجليران وفي بيتنا كذلك . - الشـوقيات ، للشاعر أحمد شوقي ، أظن أن عمـي أحوج لذلـك الكتاب مني ، حيث إنه شاعر . - جواهـر األدب فـي صناعـة إنشـاء العرب ، ألوـقات كـتاب ، كـنت أـقرأ ـما فـيه ـفي ا القصيرة ، وكل موضوع ال يتعدى بضع أوراق . - لم يبق من الكتب إ ّلا كتابا واحدا ، بعنوان : نهـج البالغة ، املختار من كالم أمير املؤمنني علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه ، جلامعه الشريف الرضي .

29 أخذت أفكر ، هل هذا الكتاب يسـتحق كل ذلـك التعب والتضحية باخلنجر !!! ، أخذت أتشـفى مـن ذلك الكتاب ، فكنـت معظم الوقت أقرأ في ذلك الكتاب فحفظت معظمه . تغيـر وضـع بيتنـا كثيرا ، فبعـد أن كان مقر نائب حاكم الشارقة ، وبعد وفاة حاكم الشارقة ، أصبح بيتنا مقر حاكم الشـارقة ، فكانت العزائم والوالئـم دائمـة ، وكانـت األطبـاق تدخـل بيتنا فارغـة وتخـرج مملـوءة بالطعـام ، واألصـوات ال تهـدأ إّلا لـيال ، حتـى تنازل والـدي عن احلكم البـن أخيـه الشـيخ صقر بن سـلطان القاسـمي ، وزوج ابنته ، فهدأ البيت ، فال تسمع صريخا ، وال تشم طبيخا . كان والـدي يحضـر مجلـس ابـن أخيه وهو الشـيخ وحاكـم الشـارقة ، فـإذا حضر شـخص

30 يشـتكي جلـس أمـام والـدي ، فيقـوم والـدي ويوجهـه إلـى الشـيخ صقـر القاسـمي ، قائالً: هنـاك احلاكـم ... ذلـك احلاكـم ، ومرات كان الشـيخ صقـر هـو بنفسـه ، يقـول : أنـا احلاكم تعال هنا . وج َد والـدي في حضوره إلى مجلس الشـيخ صقـر إحراج ًا لـه ، فتوقـف عـن الذهـاب إلـى مجلـس احلاكـم ، وجلـس فـي مجلسـه ، وإذا بالـناس ، تدـخل إـلى مجلـسه إـما طالبًًا ا قادمًًا � ا ، أو ضيـف � للمـساعدة أو مـشتكي من خارج الشـارقة . قـام والـدي بـإغالق مجلسـه ، لكـن النـاس تتجمـع أمـام بابـه والـذي هو ناحيـة املجلس ، تنتظر خروجه .

31 كان لبيتنا باب آخر ، هو الباب الذي يفتح على السـاحة التي أمام احلصن ، فامتنع والدي أن يستخدم ذلك الباب ، وأخذ يخرج من باب املطبـخ ، عندمـا يريـد اخلروج إلى بيت الشـيخ سـيف املدفـع ، وهـو قاضي البلـد ، أو الذهاب إـلى الـسوق حـيث جتارـته وعقاراـته وأصحابه من التجار . في الصباح أو املساء ، يقوم والدي بالتطيّب ، بالعطـر والبخـور ، ويخـرج مـن بـاب املطبـخ ، حيـث يكـون إلى ميينـه رائحة الطبيـخ ودخان احلطـب ، وإلى يسـاره ، زريبـة األبقار وروائح روث البقر ، فإذا ما خرج من ذلك الباب ، وجد ساحة صغيرة مليئة باحلطب ، وحشائش األبقار ، فيمر والدي من بينها . حول تلك الساحة بيوت من سعف النخيل ، فيخرج والدي من بينها إلى

32 الطرـيق الـعام املمؤدي إـلى بـيت قاـضي البـلد وإلى األسواق . كان والدي كلما عاد من بيت الشـيخ سـيف املدفـع لـيال ، وجدنـي أقـرأ فـي الكتـب التـي اشـتريتها ويقول لي : اقرأ لي من الكتاب الذي قرأت لي منه باألمس ، وكان يقصد كتاب نهج البالغة ، فقلت له : ملاذا ال تأخذ الكتاب وتقرأ بنفسك منه ؟ قال والدي: تعجبني الطريقة التي تقرأ بها . فـي ذات ليلـة ، حضر والدي فوجدني مكبًا على كتاب ، كان ذلك نهج البالغة ، فجلس إلى جـواري ، فأخـذت أقـرأ لـه مـن ذلـك الكتـاب مواضيع تشـرح النفس ، فانشـرح صدره وقال : من أين لك ذلك الكتاب العجيب ؟!

33 قـلت: لـقد اـشتريته ومجموـعة ـمن الكتب من البحرين . قال والدي: كم دفعت ثمنا لتلك الكتب . قلت: مئة روبية . قال والدي: ومن أين لك ذلك املال ؟! قلت: رهنت خنجري الذهبي مبئة روبية . قالـت والدتـي والتـي كانـت متمـددة علـى األرض إلى جانبي: حسبي الله على إبليسك ، كنا ظلمنا برهوم صحن األوتيل . قـال والـدي : مـا موضـوع برهـوم صحـن األوتيل ؟ فأخبرتـه والدتـي عمّـا جـرى يـوم اختفـاء اخلنجر الذهبي .

34 أخذني والدي إلى خزانة حديدية في خُصْم املخزن ، وأخرج منها مئة روبية ، وقال : غدًا تذهب وتفك الرهن وحتضر خنجرك ، ثم أضاف : وسلطان ، ال يريد شيئا ؟! فضحكت ، فأعطاني عشر روبيات . فـي صبـاح اليـوم التالـي ذهبـت إلـى مقهى أحمـد إبراهيـم املال ، ودفعـت لـه مئـة روبية ، واسـترجعت خنجـري الذهبـي من عنـد زوجته نصرة بنت محمد . جـاء والـدي ، ذات يوم ضحـى إلى املخزن وهـو مقـر إقامتنا ، فسـلم ، فـردت والدتي عليه السالم وامرأة كانت جالسة قربها . قالـت والدتـي : محمـد ... هـذه آمنة بنت بـدر ... أختكـم مـن الرضاعـة ، مرضوعـة مـع أخيك الشيخ سلطان ، الله يرحمه .

35 قال والدي: أعرفها ، أخبرني بذلك املرحوم . كانت عينا والدي جتول في أنحاء املخزن ، تبحـث عـن سـلطان ، ثم قال: " مريـم ... أين سلطان ؟! ، املخزن مظلم ، ليس به سفر " . قالـت والدتـي : هناك في خُصْم املخزن ... مثل الكوز وعلى وجهه كتاب . نادانـي والـدي وأخذني معـه ، وهو يقول : كفاك جلوسا بني احلريم . أخذنـي والـدي إلـى مجلسـه اخلاص وهـو مك ّوّن ـمن حُـجرة جميـلة وملـحق بـها بارجيل ( القـط الهـواء ) ، وأمامهـا حوش ، لـه بابان ، واحـد إلـى مخـرج البيـت ، وآخـر إلـى داخـل البيت ، وحمام ، وفي وسط ذلك احلوش شجرة كبـيرة ، وارـفة الـظل ، يـقال لـها : ـشجرة

36 الشريش ، ذات األزهار البيضاء العطرة ، وهناك دكة للجلوس حتت تلك الشجرة . أدخلنـي والـدي إلـى مجلسـه اخلاص وهـو يقول : " هذا بيتك يا سلطان " . فلـم أصـدق مـا شـاهدته ، فقـد حتحول ذلك املجـلس إـلى حـجرة ـنوم ، بـها ـسرير ، ومرافق أخرى . شـكرت والـدي على ذلـك ، فقـال : عندما أريد أن أقرأ كتبك سآتي إلى هذا املكان ، عندما تكون أنت في املدرسة . فقلت: إن ذلك يسعدني . ـقال واـلدي: لـكن الكـتب قليـلة ، اطـلب حتتاجه كتب ًا كثـيرة ، وأـنا ـسأدفع لك كل ـما من مال .

37 ثـم سـأل والـدي قـائالً: كيف تعرف أسـماء الكتب ؟ رويـت لـه ما قمت به عند وفاة عمي الشـيخ سـلطان ، وكان إخوانـي وأبنـاء عمـي ، ينتظـرون وصـول اجلثمـان مـن لنـدن فـي مجلـس املكتبـة يلعبـون الـورق ملمدة أسـبوع كامـل ، أمـا أنا فقد كنت في املكتبة أنقل عناوين كتب عمي الشـيخ سلطان ، وهي معي سأحضرها . هرولـت إلى املخزن وأخرجـت األوراق التي بهـا أسـماء الكتب ، وحضـرت إلى مجلس أبي اخلاص ، أي بيتي ، فوجدت والدي غارقا في البـكاء ، فضمنـي إلـى صـدره وأخـذ يقبلنـي ، ويقول : تذكرت عمك ، الله يرحمه . أخذ والدي يدفع لي املبالغ الطائلة ، وأجلب أنـا بـدوري الكتـب من مكتبة املؤيـد بالبحرين ،

38 ووالـدي يقـرأ ويحفظ ، حتى إذا جاء يوم كنا في ملدـفع حـيث الفقـهاء مجـلس الـشيخ ـسيف ا والعلماء ، فقد كان والدي ـسابقا مـستمعا فقط ، حلديث ، وإذا أـما اليوم فقد أصبح يـشارك ـفي ا به ينبري قائال : ِالعلم يرفع بيتا ال عماد له واجلهل يهدم بيت العز والشرف م ، مررنـا 1954 فـي شـهر نوفمبـر عـام بالبحريـن ونحـن في طريقنا إلـى احلج ، وفي البحريـن خرجـت مـن الفنـدق وأنـا أسـأل عن مكتبـة "املؤيـد" حتى دلوني عليهـا ، فدخلتها فوجدتهـا مليئـة بالكتـب التـي رُصّـت علـى األرفف من األرض حتى سقف املكتبة . انشغل نظري بالكتب عن اجلالس على كرسـي وأمامه

39 طاولـة ، والـذي نبهنـي قائال : "مـاذا تريد يا ولد؟" . التفـت إليـه وإذا بـه رجـل كبير في السـن ، حيّيته وسألت : "أأنت املؤيد؟" . قال: "نعم، وماذا تريد؟" . قلـت: "أنـا صديقـك سـلطان القاسـمي، من الشارقة" . قـال: "أنـت سـلطان؟! الـذي يراسـلني من الشارقة؟!" . قلت: "نعم" . قـال: "ومـاذا تفعـل بالكتـب التي تشـتريها ، واألخرى التي أهديها لك؟" . قلت: "أقرؤها" .

40 ورويت للمؤيد حكايتي مع الكتب . هنـا سـأل املؤيد: "مـا قرابة املرحوم الشـيخ سلطان بن صقر بك؟" . قلت: "عمي" . فهز رأسه وكأنه يقول: "ال غرابة!" .

RkJQdWJsaXNoZXIy OTg0NzAy