صورة الغالف : سلطان بن محمد القاسمي في ذلك الوقت.
ً العنوان: في الشندغة عشت ليالي وأياما املؤلف: الدكتور سلطان بن محمد القاسمي (اإلمارات) الناشر: منشورات القاسمي، الشارقة ، اإلمارات العربية املتحدة م 2024 هـ- 1445 سنة الطبع: حقوق الطبع والنشر محفوظة © الفهرسة الوصفية أثناء النشر: مكتبة الشارقة ، إدارة املكتبات ، هيئة الشارقة للكتاب، الشارقة ، اإلمارات العربية املتحدة 978-9948-479-44-8 الترقيم الدولي : * م 2024/05/27 ، بتاريخ MC-03-01-1372281 إذن طباعة رقم : مجلس اإلمارات لإلعالم ، اإلمارات العربية املتحدة AL Bony Printing Press- Sharjah, UAE الطباعة : E الفئة العمرية : * التوزيع: منشورات القاسمي الشارقة، اإلمارات العربية املتحدة 64009 ص.ب: ،0097165520070 ، براق: 0097165090000 هاتف: info@aqp.ae البريد اإللكتروني: 923,15352 -م 1939 القاسمي، سلطان بن محمد بن صقر، حاكم الشارقة، ق س. ت فـي الشـندغة، عشـت ليالـي وأيامـا / سـلطان بـن محمـد بـن صقـر القاسـمي.- الشـارقة، اإلمارات العربيـة املتحدة م. 2024 منشورات القاسمي، سم. 13x19 ص. ؛ 32 978-9948-479-44-8 ردمك : - تاريـخ 1939 - القاسـمي، سـلطان بـن محمـد بـن صقـر، حاكـم الشـارقة، 1 أ- العنوان
املقدمة هذه رواية قصيرة ، تصنّف حتت عدة أبواب : أدب الرحالت ، والتسجيل اجلغرافي ، وحفظ التاريخ ، ووصف التراث . أما بالنسـبة لي فقد كانت محفوظة حتت باب األرحام. املؤلف 5
7 م ، كنت جالسًا 1948 في شهر مارس من عام في املخزن ( مقر اإلقامة ) مع والدي ، قبل ظهر ذلك اليوم ، عندما دخلت والدتي علينا ، وقد بان عليهـا احلحزن ، وهـي تقـول : "محمـد ... أمي حمدة عندي ، تريد تسلم عليك" . والدي : "خلّيها تدخل" . دخلت علينا جدتي حمدة بنت علي الرميثي ، ومعهـا حفيدهـا غـامن بـن ناصـر املمري وتناديه الشـيبة ، على اسـم جدّه وجدّي غامن بن سـالم الشامسي .
8 جدتي : "السالم عليك يا محمد" . والـدي : "وعليـك الـسالم ، أهال بحمـدة ، من هذا الولد ؟!" جدتي : "هذا غامن ولد بنتي عوشـة ، وأنا جئتك عن موضوع هذا الولد . السـالفة ومـا فيهـا أن عوشـة مثـل ما تعرف تزوجها ناصر املري من ديرة ، وجابت هذا الولد ، ما قدرت تعيش في ديرة . تطلّقت منه وتزوجها سـيف بـن ثالـث ، وأخذها لبيتـه ، وبقي الولد عنـدي ، وأنا التـي ربيته ، قبل ثالثة أيام جاء عندي أبوه يريد يأخذ الولد . أنا رفضت ، والبارحة جاءنا مع رجل مسلّح في يده تفك ، وقال : هذا من طرف الشـيوخ . ( تفك : كلمة فارسية وتعني بندقية ، والبندقية :
9 كلمة فارسية معربة عن كلمة فارسية : بندوق ) . جايـب شـخص بـسالح !!! يرضيك يا الشـيخ محمد ؟ ... امنعهم عني" . والدي : "ما أقدر" . جدتي : "أفا ... أول مرة أسـمع شيخ يقول ما أقدر !!!" والـدي : يضحـك ... "يـا حمدة ، دبي لها شيوخها يحكمون فيها ... ونحن في الشارقة ، وأمرنا فقط على الشارقة" . بكت جدتي ، ودخلت علينا والدتي . جدتي : "هذا الولد يونسني ، ما عندي حد" . والـدي : "هـذه بنتك مريم ، إذا توافق تعطيك سلطان ملدة كم يوم ، وستهدأ األمور إن شاء الله" .
10 والدتي : "أنا ما عندي مانع" . جدتي : "يالله بنسير عنكم ، قوموا يا عيال" . والـدي : "اصبـري يـا حمـدة ، السـيارة ستوصلكم إلى دبي" . قام والدي ودفع بعض املال جلدتي حمدة ، وأعطانـي بعضـا مـن املال ، بينما والدتي حتضّر بقشـة فيهـا مالبسـي ، ( بقشـة : كلمـة تركيـة مبعنى : صرة ) . والدي : "سـلطان ، اذهب إلى السـائق عبد اللـه بنـدري ، وأخبـره أن يحضر السـيارة التي ستأخذكم إلى دبي" . بعد الغداء ركبنا السيارة ، جدتي وغامن وأنا وانطلقـت بنـا إلـى دبـي ، حتـى إذا مـا وصلننا
11 مشـارف ديرة وإذا بي أشـاهد قلعة لها أرجل ، قال عبد الله بندري ؛ هذه مربعة أم الريول . وصلنا إلى موقف سـيارات األجرة ، وأخذنا طريقنا إلى سوق ديرة ، وكان أوله غير مسقوف ، وبقيتـه مسـقوفا بسـعف النخيل ، حتـى وصلنا رصيف العبرة ، وكان مكانا واسعا حيث العبرات كلها على الرصيف . ركبنـا العبـرة وأخذ العبـار يجدف في خور دبـي ، متجهـا إلـى اجلنـوب الشـرقي ، كان ذلـك أوسـع مكان في خور دبـي ، فوصلنا إلى رصيـف ضيـق فـي بـر دبـي ، حيـث العبرات ملتصقة مع بعضها واملكان بعد الرصيف ضيق ، وبـه البانيـان ( طائفـة مـن الهنـود ) يدخلـون ويخرجون من السـكة إلى يسـار الرصيف ، أما
12 عن ميني الرصيف فكان سـوق بر دبي . بداية سـوق بر دبي ضيقة ومسـقوفة بسـعف النخيـل ، ثـم تنفتـح فجـأة علـى سـوق واسـع ومسـقوف ، إلـى درجـة أن أصحـاب احملالت التجاريـة ، كانـوا يعرضـون بضائعهـم أمـام محالتهم على طاوالت وضعت عليها أصناف من الفواكه واحللويات . يصل سـوق بر دبي إلى سـوق السـمك الواقع على خور دبي على الضفة اجلنوبية منه ، عندها ينتهي السـوق ومنشـي في أرض مكشـوفة ، إلى يسـارنا مبنـى مسـتطيل تخـرج منـه أصـوات متالحقة : تكتك ... تكتك ... تكتك ... اِلتفت إلى جدتي قائال : "ما هذا الصوت" ؟! ُقالت : "هذه مكينة الطحني ، كل من يريد
13 يطحن حبه ، يجيبه هنا ويطحنون له" . إلى مييننا مبنى مربع عال ؛ قلت : وما هذا ؟ قالت جدتي : "هذه مربعة مال الشيوخ" . وأمامنـا بحـر واسـع ، حتـى إذا مـا وصلنـا أطرافه قلت : بحر ... أين العبرة ؟ ضحكت جدتي وضحك معها غامن . قالت جدتي : انظر إلى تلك املباني في آخر البحـر ، علـى قولـك ، تلـك الشـندغة ، نحـن نسكن هناك . قلت : كيف نعبر هذا البحر ؟! قالـت جدتـي : هذه تسـمى الغبيبـة ، وإذا ارتفـع البحـر غطاهـا ، وإذا انخفض نشـفت ، شـوف أخوك غامن واعمل مثله .
14 خضنـا ذلـك البحـر الـذي وصـل إلـى ركبنا حتى وصلنا الشندغة ، وإلى ذلك البيت الكبير . قلت : جدتي ، هل هذا بيتكم ؟! قالـت : هـذا بيـت الشـيخ مبـارك بـن علي الشامسي . مررنـا مـن خلفـه إلـى سـكة ضيقـة ، معظم البيـوت من سـعف النخيل ، وإلـى مييننا مبنى باجلجص ، وفتحـت جدتي بابا في تلك السـكة ودخلـت ، ودخلنـا خلفهـا إلـى بيـت به خيمة وعريش ومطبخ ، كلها من السعف . قلت جلدتي : هذا فقط بيتك ؟! قالت جدتي : "هذه جنتي ، رائحة جدك ، الله يرحمه ، في هذا املكان" .
15 ونـادت على غامن قائلة : "خذ سـلطان إلى البحر" . خرجنا من السكة وإذا بها تفتح على شاطئ ليس له نهاية ، وبحر أزرق متصل باألفق . أخذنا نتسابق على ذلك الشاطئ إلى ناحية اجلنوب حتى إذا ما وصلنا مسافة قال لي غامن : هذا بيت خالي غامن الرميثي ، هو أخو جدتي حمـدة . ودخلنـا هنـاك ، وأخبرهـم غامن عني فرحبـوا بـي ، وقابلـت خالـي ... وهـو خـال والدتـي ... ويقـال لـه : غامن بن خرباش ، لم أشـاهد صبيانـا فـي البيت ، ثـم عدنا إلى بيت جدتي حمدة . بتنا تلك الليلة في خيمة جدتي وعلى سرير جدي غامن بن سـالم الشامسـي ، فكان غامن بن
16 ناصر إلى ميني جدتي وأنا عن يسارها ، فكانت فَرِحَـة ، تالعبنـا نحـن االثـنني حتـى أغمضنـا أعيننا . في اليوم التالي ، كان هناك طَرْق على باب البيـت ، حتـى إذا مـا فتحنا البـاب وإذا بناصر املري ومعه الرجل املسلّح بالبندقية ، ركضنا إلى جدتي وأخبرناها ، فحضرت وتكلمت مع ناصر املري بلطف ، وطلبت منه أن يحضر غامنا إليها بعـد كل فتـرة ، فوافـق ثم التفت إليهـا قائال : ومن هذا الولد ؟ قالـت جدتـي : "هـذا سـلطان ، ولـد بنتـي مريم بنت غامن" . قال ناصر املري : "أعطينا إياه بيونس غامن" . التفتَـت جدتـي ميينـا ويسـارا تبحـث عـن
17 شـيء تضـرب بـه ناصـر املمري ، وناصـر املري يضحـك ، واختفـى مع ابنه ، ويتبعهما الرجل املسـلّح ببندقيته ، أما جدتي ، فقد احتضنتني وهي تبكي . فـي مسـاء ذلـك اليـوم ، قلت جلدتـي بأني سـأخرج إلـى طـرف السـكة ، حيـث كنـت قد الحظـت أوالدا يلعبـون في السـاحة اخلالية من البيوت عندما وصلنا إلى الشندغة . سمحت لي جدتي على أن ال أتأخر . عندمـا وصلـت عند جتمع األوالد ، اجتهت مجموعة منهم إلى ناحية اجلنوب آخذة طريقها بني بيوت السعف ، أما املجموعة الثانية ، فقد اجتهـت إلـى الغبيبـة والتي وصـل املاء بها إلى أعلـى مسـتوى ، فسـلك األوالد ، وأنـا معهم ،
18 ممرا مبحاذاة جدار بيت الشيخ مبارك الشامسي ، حيـث قد بُنـي جدار بارتفاع ذراع ، وقد دكّت األرض بينهما حلماية املنزل من مياه الغبيبة . قطعنـا ذلك املمـر من اجلنـوب واجتهنا إلى الشـرق ، ومـن بعـده إلى الشـمال ، لنصل إلى أرض بارتفـاع اجلجدار احلامـي من ميـاه الغبيبة الـذي يحمـي تلك األرض ، حيـث كانت هناك مجموعـة مـن الرجال ، يجلسـون على كراسـي مستطيلة في ظل بيت الشيخ مبارك الشامسي ، وإذا بأحدهـم يقـول : ذاك ولـد غريـب بينهم ، ناد عليه . تركـت األوالد ، واجتهـت ناحيـة جمـع الرجال ، ووقفت أمام رجل ، قد كان يناديني : ٍ"تعال ... إنت ولد من ؟"
19 أجبت : أنا ولد محمد بن صقر . قـال : "قصـدك الشـيخ محمـد بـن صقر من الشـارقة ، وأمـك مريـم بنت الشـيخ غـامن ؟" ، قلت : نعم . قال : "أنت تعرف أحدا في هؤالء األوالد ؟" قلت : ال . قال : "هؤالء مروحني بيوتهم ، ناحية بيوت الشيوخ ، اجلس عندنا ، ... أنت عند جدتك حمدة ؟" قلـت : نعـم . قـال : "كل يـوم العصر تعال عندي هنا" . استأذنت ورجعت إلى بيت جدتي . فـي تلـك الليلة ، رقدت إلـى جانب جدتي علـى سـرير واسـع ، وأخـذت تـروي لـي حياة
20 جدّي غامن ، وهي تقول : كان يضع رأسه على هذه املخدة ، وله حلية بيضاء طويلة . أخـذت جدتـي تـروي لـي أمـورا خارقـة ، كانت تروى عن جدّي . قلت : "ليش هو ساحر ؟!" بان على جدتي الغضب فوبختني بالكالم . قلت : "جدتي ... أنا ال أحد يقول لي مثل هذا الكالم !!" جدتي : "أنت غير عن األوالد ؟!" منت تلك الليلة بعد أن الطفتني بالكالم . في صباح اليوم التالي ، أخذتني جدتي إلى الشـيخ عبيـد بـن جمعـة املكتـوم ، والـذي بنى عريشـا من سـعف النخيل قريبا من الشـاطئ ،
21 حيث كان يدرب صقور القنص . في مساء ذلك اليوم ذهبت إلى جلسة الشيخ مبارك الشامسي ، أمام منزله ، ناحية املجالس كمـا روت لـي جدتـي . رحّـب بـي وأجلسـني بقربـه ، وعـاد يتحـدث وهـو يقـول : لعنة الله م) ، 1910( عليهـم ، قبـل ثمـان وثالثني سـنة هاجم اإلجنليز دبي ، وأنزلوا فيها جنودا ، ليال ، بقصـد احتاللهـا ، لكـن األهالـي قاومـوا مقاومة عنيفـة ، ولم ترهبهـم البوارج التي اصطفت أمام البالد وهي تطلق القذائف ، ليال ونهارا ، الفينة بعد الفينة . سأل سائل : ماذا حدث بعد ذلك ؟ قال الشـيخ مبارك بن علي الشامسـي : جاء اإلجنليز وهم يقولون نعمل صلحا ، بعد أن قتلوا
22 النـاس الذين يدافعون عـن بلدهم ، وعالوة على ذلـك ، أجبـروا األهالـي علـى دفع مبالـغ مالية وعدد من البنادق . الشـيخ مبـارك الشامسـي : "قم سـلطان ... ارجع إلى بيتكم ، اليوم ريح شمال شديدة" . والتفت إلى بعض من الذين يخدمون لديه ، أن يوصلوني إلى بيت جدتي . أعجبنـي ذاك احلديـث مـن الشـيخ مبـارك الشامسـي ، وأخـذت أردد علـى جدتـي ذلـك احلديث . في تلك الليلة ، كان صوت األمواج يرتفع ، ويخفـت ، وإذا بنـا نسـمع أصـوات منـاداة مـن ناحيـة السـكة التـي أمـام بيـت جدتـي . قالت
23 جدتي : "سلطان ، سر عند الباب ، شوف مَن هناك" . فتحت باب احلوش ، وإذا بامرأتني تندفعان إلـى داخـل البيت ، وتـرددان : أين أمك ؟ ... أين أمك ؟ قلت وأنا أتبعهما : هناك في اخليمة . املرأتـان دخلتـا اخليمـة وهمـا تـرددان : "ضايعني ، من هنا بحر ... ومن هنا بحر" . قالـت إحداهمـا : "صـارت لنـا مـدة ونحـن ننادي على البيت املقابل بيتكم ، وال أحد يرد" . قالت جدتي : "هذا بيت مريم ما تسمع" . ثم قالت : "سلطان ... باب احلوش مقفول ؟" قلت : ال .
24 قالت : "سر وأقفل الباب" . وبينما أنا ذاهب إلغالق الباب ، كنت أفكر : هـل جارتنـا مريـم صماء ؟ ، أو أنهـا ال تريد أن تفتح باب بيتها . رجعت إلى اخليمة ، ومتددت على السـرير بالقرب من جدتي ، واملرأتان متمددتان في وسط اخليمة ، وال يسمع إّلا صوت األمواج . امرأة منهما : "ويه ... بلت ؟" املرأة الثانية : "والله ما بلت !!!" املرأة األولى : "حسبي الله عليك ... فاحتة قربة ؟! فضحتينا" . أخذت أكركر ، واضعا يدي على فمي . جدتي : "إيه ... ياخلدي ... هذا البحر داخل
25 علينا" . ( اخلدي : خدّج ، ناقصات عقل ) . موجة البحر الثانية ، تبلل أرضية اخليمة . املمرأة األولـى لزميلتهـا : "قومـي ... الدنيا كلها بحر" . املرأة الثانية : "ننام معهما فوق السرير" . جدتي : "حاشـا ... حاشا . ما هناك مكان فوق السرير" . جدتي تفتح باب اخليمة وهي تقول : "قومن وسيرن إلى العريش ونامن فيه" . خرجـت املرأتـان مـن اخليمـة وتوجهتا إلى العريش . جدتـي تقفـل بـاب اخليمـة ، وهـي تقول : "فكاك" .
26 أقـول جلدتـي : أنـت التـي أمرتينـي بفتـح الباب . جدتي : "كنت أفتكر غامن هارب من أبيه ، شـفت بـركات جـدك علينـا ، جـاءت املوجة وطردتهـن مـن اخليمـة ، مـا نعـرف مـا الـذي بيعملنـه ... نام ... نام" . في صباح اليوم التالي ، صحوت على جدتي حتضر لي الفطور فقلت لها : أين احلريم ؟ جدتي : "خرجتا في الليل" . فـي ضحـى ذلـك اليـوم خرجـت مـن بيـت جدتي إلى شـاطئ البحر ، حيث عريش الشـيخ عبيد بن جمعة املكتوم ، وكان محاطا مبجموعة مـن أهالـي دبي ، يتحدثون فـي أمور البلد ، لم أعر ذلك اهتماما ، حيث كنت ملتهيا بالشواهني .
27 أما مسـاء ذلك اليوم فقد توجهت إلى جلسة الشيخ مبارك الشامسي ، وجلست بالقرب منه ، وإذا بشـخص ، يسـأل عن أيام اللؤلؤ ، والشيخ مبارك يشـرح احلالة التي أصابت جتار اللؤلؤ ، قائال : أسباب كثيرة : - ظهور اللؤلؤ الصناعي الياباني . 1 - احلرب العاملية . 2 - شـركات البترول في اخلليج ، حيث معظم 3 الناس يعملون في شركات النفط . الشـيخ مبارك الشامسـي : قبل تسـع عشرة سنة ، يومها وفي دبي لوحدها ، ستون محمال (سـفينة) لـم تنـزل إلـى البحـر ، وتأثـر التجـار الكبـار مثـل محمـد بـن أحمـد بن دملموك ، وهو الذي أدخل أول سـيارة إلى دبي في تلك الفترة
28 العصيبة ، حيث أهداها للشيخ سعيد بن مكتوم . رجعـت إلى بيت جدتـي ، فوجدت جدتي حزينة والدموع تنهمر من عينيها . قلت : "جدتي ، ال تبكني ، أنا عندك" . قالـت جدتـي : "أراك تغيـب عنـي ، وأنـا أخاف عليك" . بتنا تلك الليلة واحلديث كله عن جدي . فـي صباح اليوم التالي ، ذهبت إلى شـاطئ البحر ، فلم أجد الشـيخ عبيد بن جمعة املكتوم وال جماعته ، والعريش خال من األثاث ، قلت في نفسي : ال بد أنهم ذهبوا للقنص . أجـول بنظـري وأنـا جالس على الشـاطئ ، إلى يساري ، فال أجد إ ّلا ذلك الشاطئ ، اخلالي
29 من البشـر ، إّلا من سـرطانات البحر البيضاء ، يقـال لهـا : شـناييب ، وهي تتسـابق فـي بناء أبراجها . أما عن مييني فقد شـاهدت سفينة بشراعها األبيض ، وهي تسحب وراءها "ماشوة" ( وهي كلمـة سـواحلية وتعني الـزورق الصغير ، الذي يوصـل الـركاب إلـى البـر ) ، وإذا بالسـفينة تختفـي خلـف الشـاطئ ، فعرفـت أنها دخلت خور دبي . في مسـاء ذلك اليوم ، توجهت إلى جلسـة الشـيخ مبارك الشامسـي ، وإذا بالكراسي خالية من البشر وباب املجالس مغلق . قلت في نفسي : ال بد أنه قد سافر . أجول بنظري إلى مياه الغبيبة ، وإذا بها قد
30 وصلـت إلى بيوت الشـندغة املتتاليـة في دوحة حتـى تصـل إلى املربعـة ، فيتب ّين خـور دبي ، لكـن مبانـي بر دبي تغلق عليـه ، فأعود بنظري إلى مياه الغبيبة ، وإذا بي أشاهد شخصا برفقته صبي ، يتجهان نحوي . أحدق أكثر ، فأصرخ : "غـامن ... غـامن" ، وأنـا أخـوض ميـاه الغبيبة بثيابي ، وتعانقنا . في طريقنا إلى بيت جدتي قلت لناصر املري : شكرا ، أرجعت غامنا لنا . ومع جدتي وهي حتتضن غامنا ، فال تسمع مـا يقولـه ناصر املمري ، حيث يقـول : "تعبني هذا الولد ، أبحث عنه في كل مكان" . انتبهـت جدتـي عندمـا قـال ناصـر املري : "الولد يبقى عندك يا حمدة أحسـن ، وأنا الذي سأزوره" .
31 دخلنـا نحـن الثالثـة إلـى اخليمـة ، وناصر املري ذهب في حال سـبيله . بتنا تلك الليلة ، غـامن عـن ميني جدتـي وأنـا عـن يسـارها وهـي فَرِحَة وتقول : "غدا نذهب إلى الشـارقة ونسـلم سلطان ألهله" .
sheikhdrsultan.aeRkJQdWJsaXNoZXIy OTg0NzAy