حكايات في صور

عرض الكل

افتتح «مركز الدراسات العربية» في جامعة كويمبرا البرتغالية

سلطان: الثقافة لا تمحو الحدود بل تحولها إلى جسور للتواصل

أكد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، أن الثقافة قد لا تغير الجغرافيا لكنها تغير طريقة النظر إليها، وهي لا تمحو الحدود لكنها قادرة على تحويلها إلى جسور حية ومعابر ومساحات التقاء.

جاء ذلك خلال افتتاح سموه، يوم أمس الجمعة، وبحضور سمو الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب، مركز الدراسات العربية في جامعة كويمبرا البرتغالية، والذي يعد أول مركز يُعنى بتعليم اللغة والثقافة العربية في البرتغال ويقع في إحدى أقدم وأعرق الجامعات في أوروبا.

وألقى سموه كلمةً خلال حفل الافتتاح، قال فيها: «هذه ليست المرة الأولى التي أزور فيها هذا الصرح العظيم، فقد تشرفت باستلام شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعتكم الموقرة قبل 7 سنوات، أما علاقتي بالتاريخ البرتغالي فقد بدأت منذ سنوات طويلة، عملت فيها على توثيق تاريخ بلادنا في مرحلة كان البرتغاليون جزءاً منها، وواحدة من أهم رحلاتي مع هذا التاريخ كانت رحلتي في البحث عن مخطوطة باربوزا، التي كانت مفقودة لمدة تقارب 100 عام، قبل أن تكتشف، واقتنيتها عام 2012».

وحول مخطوطة باربوزا، أضاف سموه: «تتحدث هذه المخطوطة عن نص كتبه الضابط البرتغالي «دوارتي باربوزا» الذي رافق قادة الاحتلال البرتغالي في القرن 16 من خليج سان سباستيان إلى سواحل الصين مروراً بمنطقتنا في الخليج العربي، تتبعت أثر هذه المخطوطة من أرشيف إلى آخر، ومن مرجع إلى آخر، حتى وصلت إلى نسخة كاملة فقرأتها بعناية، ووجدت فيها صورة مختلفة تماماً لما نُقل إلينا من روايات عن تلك المرحلة التاريخية».

وأشاد صاحب السمو حاكم الشارقة بنزاهة وصدق باربوزا في وصفه ونقله لما شاهده، قائلاً: «أول ما لاحظته في المخطوطة أن الكاتب تحلى فيها بالنزاهة في الوصف، وصدق في النقل، وهو ما جعلها شهادة نادرة على تفاصيل دقيقة عن واقع منطقتنا في ذلك الزمان، وعن طبيعة العلاقة بين شعوبها والوافدين إليها من بعيد، لقد كان باربوزا من حيث لا يدري يعيد التوازن إلى رواية اختلت معالمها طويلاً في لحظة كان فيها التوثيق الحقيقي فعلاً نادراً وشجاعاً، فقد أضاء بالحقيقة على التاريخ البرتغالي وأنصف حاضره كما أنصف الماضي العربي حيث وثق حضور أهله وفضائلهم وإنسانيتهم، لقد أكد باربوزا أن شعوب منطقتنا رغم ما واجهوه من تحديات واحتلال فقد حافظوا على إنسانيتهم، واحتضنوا الآخر، وأعلوا من شأن الكرامة والتعايش بين الشعوب والديانات».

وتابع سموه: «كما وصف باربوزا مدى التقدم الذي أحرزه أبناء المنطقة في الكثير من المجالات، من علوم وثقافة وعمران ونظم تجارة وحضارة مجتمعات، وبين أيضاً وبكل وضوح أن قوى الاحتلال القادمة من وراء البحر كانت تمارس التدمير والتخريب والاستعلاء».

وعن أسباب إصدار صاحب السمو حاكم الشارقة كتاب «رحلة بالغة الأهمية»، قال سموه: «إنني حين قررت إصدار هذا الكتاب وترجمته إلى العربية والإنجليزية والبرتغالية لم أكن أبحث عن إثبات تاريخي فقط، بل عن إنصاف حقيقي لأهلنا، وعن استعادة روايتهم كما رآها شاهد من أهل الحدث، إنني أؤمن أن المعرفة حيث تنبع من الحقيقة تصبح جسراً متيناً للحوار، وأساساً صلباً لبناء علاقات بين الشعوب، لهذا كنت حريصاً في كل سطر من سطور الكتاب على أن أستبقي لغة باربوزا كما كتبها بأمانته وتواضعه، وأن أنقل صوته من دون تلوين أو تحوير، لأنني وجدت فيه روح الباحث الصادق الذي شهد بما رأى، ووثق ما عاش، ووقف على مسافة منطقية من طموحات القوة التي كان يرافقها».

وأضاف سموه: «هذا ما أردته من الكتاب أن نمنح الأجيال المقبلة وثيقة معرفية متينة تستند إليه وهي تخوض حواراتها الحضارية في عالم تتغير فيه المفاهيم بين ليلة وضحاها، وتتنازع فيه الروايات بأدوات القوة وليس بأدوات العدل، واليوم ها أنا ذا أقف أمامكم أجلب معي مخطوطة باربوزا الأصلية وكتابي "رحلة بالغة الأهمية" وأهديكم إياهما لنضع أصل الرواية بين يدي أهلها».

وأعلن صاحب السمو حاكم الشارقة خلال كلمته افتتاح مركز الدراسات العربية، قائلاً: «يسعدني أيضاً أن أعلن اليوم عن افتتاح مركز الدراسات العربية في جامعة كويمبرا ليسجل تاريخ تدريس اللغة العربية لأول مرة في هذا الصرح العريق، ويفتح نافذة التواصل مع الأدب والفن والإبداع في العالم العربي، هذا الافتتاح يأتي ثمرة رغبة صادقة بأن نمنح الثقافة العربية مساحة جيدة للتفاعل والانفتاح والحوار بوصفها ركناً أصيلاً له أثر عميق في البنيان الإنساني المشترك، وأن نمنح غير الناطقين بالعربية فرصة الغوص في القيمة العظيمة للثقافة العربية بكل ما تحمله من حضارة عريقة وآفاق مفتوحة على المستقبل».

كما أعلن سموه إطلاق مكتبة جوانينا الرقمية التي كان لإمارة الشارقة شرف التعاون مع إدارة جامعة كويمبرا في إنجازها، متمنياً سموه أن يستمر هذا التعاون من أجل إعلاء مكانة المعرفة لتنير لنا ولأجيالنا القادمة دروب بناء الحضارة.

واختتم سموه كلمته، قائلاً: «نحن اليوم ومن هنا نؤكد للعالم أن الثقافة قد لا تغير الجغرافيا لكنها تغير طريقة النظر إليها، وهي لا تمحو الحدود لكنها قادرة على تحويلها إلى جسور حية ومعابر ومساحات التقاء، والثقافة أيضاً لا تغير التاريخ لكنها تغير طريقة قراءتنا له».