أطل ليجد أمامه السجاد الأحمر، ولبانا يفوح من القاعة، واستقبال الكبار للكبار، رحب به جلالة السلطان المعظم بابتسامته المعهودة معانقا ومرحبا بسلطان الثقافة والأدب والكلمة الصادقة والرأي السديد، استقبالا يليق بشخصه ومكانته الرفيعة في قصر العلم، حيث التاريخ كتب، وفي عرس الكتاب حيث التاريخ يروى، استقبالا يليق بفكره وعلمه إنه سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.
في زمن تُقاس فيه الرجال بصدق مشاعرهم وامانتهم، وحبهم للأخرين، فمنجزات الشيخ سلطان لا تقاس ولا تعد، سواء كانت تنموية في إمارة الشارقة من مشروعات ومنجزات خالدة، او ثقافية وأدبية، فنجاحاته فيها لا تعد ولا تحصى، ومن بين أكثر الإصدارات انتشارا ما كتبه عن تاريخ سلطنة عمان بما يحمل من عمق وفهم ودراية.
فاليوم يزدان معرض الكتاب هذا العام بقامتين، حضور سموه، وتدشين كتابه الأخير الذي يعد أضخم إنجاز توثيقي عن تاريخ بحر عُمان بعنوان البرتغاليون في بحر عُمان وهو ثمرة عمل امتدت لسنوات طويلة من البحث والتوثيق الخالد لمسيرة تاريخية وعراقة لبلد لا يمكن تجاهله لما عرف عنه من أصالة وثقافة وتاريخ ممتد ومتواصل من عهود غابرة.
كتاب تضمن تحقيقا علميا رصينا، لأحداث في حوليات من عام 1497 إلى 1757، وهو بمثابة كنز لأحداث تاريخية مهمة مجلدة في 21 مجلدا لأحداث دارت وقائعها في بحر عُمان، ليقدم لنا الشيخ سلطان إرثا قيما من الكتب والاصدارات المتنوعة لنا وللأجيال القادمة، وليعكس حقيقة وعمق العلاقات الإماراتية - العمانية.
وما بين عشرات الكتب التي قرأتها، اقف اليوم أمام إصدارات شيخ الكتاب وسلطان الكلمة ومؤرخ النهضة الثقافية والتاريخية والفكرية لدول المنطقة ولعمان وبحرها وقادتها وملوكها، فأننا اليوم نهدي معلم ومؤرخ وموثق التاريخ وسام المحبة، فنحن اليوم نحتفي بأمة كاملة وليس بكلمة، نحتفي بأمة تركت لعمان إرثا خالدا موثقا، فمعرض مسقط ليس احتفالا بالورق والأشعار وقصص الغرام، بل احتفاء بمن صنع المجد وحفظ الارث ووثق وسعى لكتابة التاريخ وجمعه وترجمه ليصل للعالم ناصع البياض، فما بالك برجل يحمل على عاتقه امارة وشعبا، وعمل لسنوات وسنوات لتوثيق لحظات تاريخية في مجلدات عدة تفوق الخيال ليقرأ العالم عن عُمان وبحر عُمان.!
فسموه تربى على الوطنية والعروبة، وترعرع على حب العلم والمعرفة، وكان شغوفا جداً بالتاريخ، وكتبه أصبحت اكسجين حياة لمحبي التاريخ.. فشكرا ايها الرجل الحكيم بتواضعك وأخلاقك وحبك لوطنك ودينك، الذي قاد التنمية الثقافية والاقتصادية والاجتماعية في إمارته المبتسمة دوما.
فشكرا سلطان الخير والثقافة، فعلاقاتنا متجذرة وضاربة في عمق التاريخ، قبل الكتب والتوثيق، وهي محل تقدير واحترام متبادل من قيادتي البلدين، ومن هذا المنطلق والأساس المتين، حرص السلطان هيثم بن طارق المعظم، على ان يكون استقبالكم في قصر العلم العامر التاريخي والعريق لمكانتكم وليكون شاهدا بأن عمان تكنّ لكم كبيرها وصغيرها كل الحب والاحترام عن كل اصداراتكم عن تاريخ عمان وسلاطينها وامجادها وملوكها.!
شكرا ابو خالد فمبادرات سموكم تسهم في حفظ الإرث الثقافي والهوية العربية وتوثيق تاريخها، وكتابكم البرتغاليون في بحر عُمان منجز ووسام رفيع، وإضافة نوعية وإثراءً للمكتبة العربية والعالمية، فقد نقل لنا عبر سلسلة من المؤلفات القيمة إرثاً إنسانياً وسجلاً سياسياً واجتماعياً، كما كان الرجل الابيض وغيره، لكونه كنزا تاريخيا، يرصد أحداثاً تاريخية مهمة وحيوية دارت وقائعها في بحر عُمان، الذي كان شاهداً على تحركات الأساطيل البرتغالية وغيرها ولفترة امتدت 260 سنة، وكل دراسة بحثية جديدة تعد إضافة للتاريخ العماني والعربي.
الكثير من المغالطات أرخها وصححها، ووثق بعضها، وله أُطروحات وكتب ومنشورات وتصريحات عديدة، والشيخ القاسمي مدرسة ثقافية متكاملة وهي ثقافة الحياة والتي تتجسد في نهج وأسلوب حياة سموه الذي جعل من التوثيق التاريخي اسلوب حياة ونهجا راسخا يسهم في تحقيق التنمية الثقافية، حتى اصبحت الثقافة في امارة الشارقة مثل الماء والهواء.!
في كل إصداراته لا يستعرض الشخوص والوقائع فقط، بل اشتغل كذلك على مستويي النقد والتأويل والتحليل، فهو ثروة علمية على وجه الخصوص، وعلامة بارزة في التاريخ ومثقف وقارئ متمكن ومتحدث رصين وصاحب رؤية ثاقبة تخطو خطوات ثابتة على درب التميز والريادة، ولا ننسى خطبته في بداية حكمه للإمارة أعينوني لكي أكون ابناً باراً لكبيركم وأخاً وفيّاً لأوسطكم وأباً حنوناً لأصغركم.. ما أعظمها من كلمات.
وعلى هذا النهج الإنساني، مرت عقود كاملة كان فيها عادلا وحليما يقود السفينة بالحكمة والعلم والمعرفة، فعلينا اليوم ان نفخر بمثل هؤلاء الرجال العِظام ونلبسه وشاح ووسام الفخر كعربي اصيل وقامة عالية في الثقافة والادب.. فشكرا سموكم فأنتم تستحقون الكثير والكثير، ويكفينا ما قلته في صفحتكم عن معنى كلمة حقيقة؟ الحقيقة: ما يجب على الإنسان أن يحميه، وحقيقة تاريخ عُمان، واجب عليّ قمت بتحقيقه بكل أمانة.. الله يحفظكم ويطيل في عمركم فلمثل هؤلاء الرجال يفرش السجاد الاحمر ويستقبل استقبال العِظام... والله من وراء القصد.
المصدر: جريدة النهار الكويتية – د. أحمد بن سالم باتميرا