مسيرة حافلة بالإنجازات، وخشبة مشيدة بالشغف، تلك هي حكاية المسرح الإماراتي الذي نشأ وتطور وازدهر بوتائر سريعة، حتى صارت الدولة من بلدان العالم التي عرفت بـ«أبو الفنون»، تقدمت في وقت تراجعت فيه العديد من الدول العربية صاحبة التاريخ في هذا المجال، وكأنها تمسك بحرص شديد على راية لا تريد لها السقوط، تراكم كبير على مستوى العروض كان له الفضل في تلك المشاركة الواسعة للأعمال المسرحية الإماراتية على المستوى العربي والدولي، مع تحقيق نتائج وإنجازات كبيرة بالفوز بعدد من الجوائز، فقد كانت بدايات المسرح في الدولة قد انفتحت على القضايا والشواغل المحلية والإقليمية والقومية، ونهلت من تيارات ومدارس مختلفة من المسرح العالمي، وعبر التعبير الجاد عن الهموم الاجتماعية المحلية، وجدت العروض الإماراتية صدى خارجياً كبيراً.
لئن كان قدر المسرح الإماراتي أن ينال كل تلك السمعة الطيبة، فإن ذلك الأمر لم يأت عن فراغ بل عبر عمل جاد ودؤوب وصبور، كان خلالها لـ«أبو الفنون»، روافع عدة أهمها ذلك الدعم والرعاية من قبل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وهو الدعم الذي اتخذ أشكالاً عديدة، سواء المعنوي أو المادي أو عبر الكتابة في مجال المسرح والتاريخ، فقد كانت مؤلفات سموّه واحدة العوامل الأساسية في رفعة وريادة المسرح الإماراتي، كما كان لدعمه المادي ورعايته لـ«أبو الفنون» في الدولة، حتى لقب بـ«رجل المسرح في الدولة»، الأساس والمنصة التي انطلقت منها الإبداعات المسرحية الإماراتية، ولئن كان فترة السبعينيات والثمانينيات؛ أي مرحلة تأسيس الدولة، قد شهدت الاهتمام الكبير بالمسرح، وانطلقت فيها العروض التي صنعها رواد «أبو الفنون»، فإن تاريخ المسرح الإماراتي سابق لذلك، حيث كانت إمارة الشارقة فضاء لعدد من الأعمال المسرحية التي تناولت الهم العربي والقومي، وكان صاحب السمو حاكم الشارقة صاحب فضل كبير من خلال إسهامه الموفور في المسرح المدرسي، حيث كانت فترة الخمسينيات من القرن الماضي، هي بداية تشكل المسرح الإماراتي، وكانت إمارة الشارقة صاحبة الإنجاز الوافر في بدايات وتطور الحركة المسرحية في الإمارات، ولا ننسى هنا، تلك البدايات وأولئك المؤسسين الأوائل الذين قامت على أكتافهم الحركة المسرحية الباكرة من خلال المدارس والأندية التي كان لها الأثر الكبير في تبلور فكرة المسرح وجعله شاغلاً يومياً وحياتياً، وهنا نذكر المدرسة القاسمية في الشارقة، التي شهدت نشوء ونمو الأنشطة المسرحية، عبر عرض مسرحي كتبه صاحب السمو حاكم الشارقة، وهي المسرحية التي كان لها صدى كبير؛ لما أثارته من تحفظات المعتمد البريطاني، الذي صعّد من الأمر إلى حد أن أمر بإيقاف عروضها، سعياً لحصار النزعة القومية التي أظهرها العرض، وهو الأمر الذي يشير إلى مجهودات الشارقة عظيمة في رفد الحراك المسرحي في الإمارات، وكان ذلك مع مولد أول فرقة مسرحية وهي «المسرح الوطني»، التي نشأت في نهاية سبعينيات القرن الماضي، ثم كانت النقلة الكُبرى مع قيام دائرة الثقافة في الشارقة عام 1984م، وانطلاقة مهرجان أيام الشارقة المسرحية الذي شكّل فضاءً للعمل المسرحي المنهجي القائم على معايير وأسس مسرحية أصيلة.
وفاء
من خلال ذلك السرد التاريخي لبدايات وتطور المسرح في الإمارات، فإن اختيار جمعية المسرحيين في الدولة لـ«اليوم الإماراتي للمسرح»، كمناسبة سنوية للاحتفاء بالمسرح والمسرحيين في الإمارات، ليوافق يوم مولد صاحب السمو حاكم الشارقة، في الثاني من يوليو من كل عام، هو بمثابة لفتة وفاء لرجل المسرح الذي أعطى ولا يزال يعطي من أجل «أبو الفنون»، حتى صارت مقولته الخالدة «نحن كبشر، زائلون ويبقى المسرح ما بقيت الحياة»، تُردّد في كل مناسبة مسرحية، وصارت ميثاق عمل من قبل المبدعين والفنانين الإماراتيين، فهي المقولة التي تشير إلى اهتمام سموه الكبير بالمسرح، وعشقه له، ورهانه عليه في الارتقاء بالبشر، وتؤكد في ذات الوقت الأهمية الكبرى ل«أبو الفنون» ورسالته في الحياة، ودوره في التربية والثقافة والمعرفة والتهذيب والارتقاء بالمجتمعات والبشر، وهنالك الكثير من المقولات لصاحب السمو حاكم الشارقة في المسرح أصبحت بمثابة أنشودة في أفواه المسرحيين وجمهور هذا الفن الخالد، فقد كان دعم سموه في هذا المجال عظيماً، وامتد هذا الدعم إلى خارج حدود الإمارات ليشمل كل دول العالم، بل والأهم جاء من خلال التوثيق والتأليف المسرحي وإنتاج المفاهيم والمقولات، والإيمان الكبير بأن المسرح هو الإنسان، فكان أن قدّم سموه العديد من النصوص المسرحية التي من أشهرها «عودة هولاكو»، و«القضية»، و«الواقع صورة طبق الأصل»، و«الإسكندر الأكبر»، و«النَّمْرود» و«الحجر الأسود»، إلخ. وكذلك الأعمال التي توثق وتتابع حركة المسرح العالمي مثل «التاريخ على خشبة المسرح الفرنسي»، فكان له الدور البارز والكبير في دفع المسرح الإماراتي والعربي خطوات كبيرة إلى الأمام، حتى صارت الإمارات واحدة من الدول التي يشار إليها ببنان الفخر والاعتزاز في مجال المسرح، وقد ترجمت تلك الأعمال إلى الكثير من اللغات العالمية، بل وعرضت في مسارح دولية برؤية إخراجية لفنانين عالميين.
ويستمر الدعم السخي لصاحب السمو حاكم الشارقة عبر الاهتمام المتواصل بالبنية التحتية الكفيلة ببقاء الحركة المسرحية مثل إنشاء المسارح وصالات العروض، والاهتمام العلمي الأكاديمي مثل قيام أكاديمية الفنون الأدائية، وصندوق التكافل الاجتماعي الذي من شأنه رعاية المسرحيين ودعمهم، وقد كان قيام الهيئة العربية للمسرح، أحد أهم إنجازات صاحب السمو حاكم الشارقة في دعم «أبو الفنون»، في كل الدول العربية، فصارت الهيئة هي المرجعية الأساسية للمسرحيين العرب، وأصبح لها مهرجان هو الأول على المستوى العربي، يقام في إحدى العواصم العربية في كل مرة، ويقدم فيه المسرحيون العرب إبداعاتهم من عروض رفيعة، تحضر فيه الجوائز ويكرم خلاله الشخصيات المسرحية التي قدمت البذل والعطاء المسرحي.
أرضية صلبة
يأتي «اليوم الإماراتي للمسرح»، و«أبو الفنون» في الدولة يقف على أرضية صلبة، بفضل اهتمام الدولة الكبير بالإبداع المسرحي، والرعاية التي لم تنقطع من قبل صاحب السمو حاكم الشارقة، وفي هذا اليوم الخالد، يستعرض إنجازات المسرح الإماراتي منذ التأسيس حتى اللحظة الراهنة، فاليوم الإماراتي للمسرح سيصبح احتفالية سنوية، يستعرض حصاد العام، ويقوم بتكريم شخصيات لم يتم تكريمها من قبل، اعترافاً بعطائها ووفاءً لمسيرتها وتجاربها وإرثها، كما يشتمل اليوم على تكريم فرقة من الجمعيات والفرق المسرحية المتميزة، إلى جانب تكريم مسرحيي الإمارات سواء كانواً فرقاً أو أفراداً من الفائزين في المهرجانات المسرحية المحلية مثل أيام الشارقة المسرحية، مهرجان الإمارات لمسرح الطفل، مهرجان دبي لمسرح الشباب، وكذلك الفائزين في المهرجانات الخارجية، مما يعني أن اليوم سيكون بمثابة عرس للمسرحيين الإماراتيين، ولا عجب في يوم مثل هذا أن يعمل المسرحيون الإماراتيون على مبادرة الوفاء لصاحب العطاء صاحب السمو حاكم الشارقة، بما قدّم وسيقدّم من أجل هذا الفن الإنساني الراقي، حتى عرفت الدولة، بفضل رعايته الكريمة، كدولة صاحبة ممارسات مسرحية مختلفة وراسخة، فقد جعل سموه النشاط المسرحي في الدولة مستمراً وقوياً، وكان للمهرجانات التي أطلقها ورعاها بتنظيم دائرة الثقافة في الشارقة، الدور الأساسي في ازدهار الحراك المسرحي في الدولة مثل «أيام الشارقة المسرحية»، و«الشارقة للمسرح الخليجي»، وابتكارات لفضاءات وأساليب مسرحية جديدة شهدت عليها مهرجانات مثل: «المسرح الصحراوي»، و«المسرح الثنائي»، إضافة إلى الاهتمام المتعاظم بالفعاليات التي تكون الكادر المسرحي مثل مهرجان «الشارقة للمسرح المدرسي»، و«كلباء للمسرحيات القصيرة».
المصدر: جريدة الخليج