يحضر صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في مدن الشرق والغرب، فتحضر معه الإمارات والثقافة العربية والإسلامية، فيا له من حضور مشرف مشرق، وهو يقدم للعالم، في قوة وثقة، أنموذج المثقف الموسوعي، العارف بالتاريخ، والمنطلق في أبحاثه وصولاً إلى نتائجه، من وعي ارتباط الزمان بالمكان، والتاريخ بالجغرافيا بالسياسة باللغة، وبالحضارة، كونها سؤالاً شاملاً يختصر ذلك الجدل الكوني المحتدم عبر العصور، والذي في ظله قامت مدارس الفكر، وقامت الفلسفات الكبرى، وانطلقت الجامعات. من وعي الباحث المخلص والمجدد، لكن المتمسك بأصول المنهج العلمي، ينطلق الدكتور سلطان، غير أن ما يميز اشتغاله على الثقافة عموماً، وعلى التاريخ خصوصاً، كونه يمتلك مشروعاً حقيقياً واضح المعالم، ومترابطاً بالرغم من تباعد أطرافه، كما يبدو لعين الناظر غير المتفحص، ويلفت النظر في مشروع سلطان، نحو إنجاز موسوعة تتناول تاريخ المنطقة، أنه يوفق بين أحداث التاريخ مكتشفاً الجديد، فلا يقدم، في كل مرة إلّا جديداً.
ليس المؤرخ الاعتيادي المكرور، بل المتفرد الذي يحقق نتائجه عبر عملية بحث مضنية، وشيقة بالقدر نفسه، وفي لندن، على هامش حضور سموه معرض لندن للكتاب، وقَّع كتابه «سيرة مدينة» في نسخته الإنجليزية، معلناً عن قرب انتهائه من كتابه الجديد «الشارقة من الحماية إلى الاستعمار»، واعداً بنشره في مناسبة معرض الشارقة الدولي للكتاب، في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وواعداً كذلك بنشر نسخته الإنجليزية في مثل هذه الأيام من العام المقبل، في معرض لندن.
هو الوعي البحثي والكتابي في أعمق وأشف صوره، فصاحب المشروع الفكري يشتغل، بالضرورة، بهذه الطريقة، ويخطط لحاضر ومستقبل أبحاثه، واضعاً بينها صلات وصل تفاجئ المتلقي في كل مرة، وكأن الدكتور سلطان يلتزم معياراً بجناحين: الجدة والجدية.
في كلمات دالة مطوقة من كل صوب بقوة البراهين، استعرض الدكتور سلطان طرفاً من تاريخ المنطقة، واضعاً لأجيالنا المقبلة مشاعل فكر ووعي تضيء ليالي المدلجين، وتنير عقول وقلوب الذاهبين، في مطالع النهارات الصاحية، نحو الشموس الصاحية.
وقال الدكتور سلطان فأمتع كل من استمع أو قرأ. تناول في عبارات ممنهجة فصولاً من علاقة أمم وشعوب متعددة بتاريخ الشارقة والإمارات والمنطقة، ثم خلص إلى هذا التحديد: إنما موضوعنا، اليوم، منطقتنا والإنجليز.
هكذا تكلم الدكتور سلطان في وايت هول في قصر الاحتفالات، في عقر دار الإنجليز، وفي هذا الموضوع المحدد، المتداول، كما يبدو، للوهلة الأولى، على نطاق واسع، أتى بجديد لم يسمع أو يقرأ من قبل، فهل هو إلّا أسلوب المؤرخ المبدع، صاحب المشروع الفكري غير المسبوق؟
في الأخير، لا بد من وقفة تقدير لحرص صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، على التواجد في محافل الفكر الدولية، وحمله هناك راية الثقافة العربية والإسلامية عالية خفاقة، وكذلك اهتمامه، شخصياً ومؤسسياً بترجمة نتاجه وغيره من النتاج العربي المستحق إلى الإنجليزية وغيرها من اللغات الحية.
المصدر: صحيفة الخليج – ابن الديرة