حكايات في صور

عرض الكل

سلطان المسرح.. الأمل والحلم

عندما يستعصي على الساسة حل مشكلات ومعضلات أمتهم، يتقدم المسرح بهيبته الآسرة نحوهم معلنًا: هي ساحتي فدعوها لي، إن الأمم في فضائها تحيا وتتجسد وتعبر من خلالها جسر اليأس إلى الأمل.

ولكن عندما تجتمع المهمتان الشاقتان «السياسة والمسرح» في قلب رجل واحد، يصبح الأمر معها، السياسة مسرح والمسرح جوهر السياسة التي تروم حل هذه المشكلات والمعضلات.

إن هاتين المهمتين، تختزل حكمة ونبوغ حاكم الشارقة، الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، سلطان المسرح الأمل والثقافة الأجمل، فللمسرح في قلبه مكانة أثيرة وكبيرة، هي الهم والحلم معًا، وقد تجلى ذلك بوضوح ذات لقاء حميم بدارته، بأهل المسرح الذين قصدوا الشارقة من مختلف أقطارنا العربية للاحتفال بمهرجانهم المسرحي فيها.

فكم هو رائع توجهك الفني العميق يا سلطان المسرح والثقافة وأنت تعبر بنا، بذاكرتك وبحلمك، نحو محطات وخنادق وسراديب وآفاق تجربة مسرحية ثرة تشكلت فيها أفكارك ورؤاك وأحلامك، والتي تجلت في مسرحيات نهلت من التاريخ معينها وزادها، وقرأت فيها بعين ثاقبة شاخصة واقعنا العربي السالف والراهن، وتنبأت من خلالها بالقادم العربي المشوب بالهزائم والتفكك والدسائس والمؤامرات ما لم يكن الوعي والتيقظ والفطنة حصانتنا الأولى والأهم في مواجهة هذا «المشوب» المرعب، كما حذرت من خلاله أيضًا أمة تجاهلت بغفلتها تاريخها وحضارتها المجيدتين.

لقد جالت بنا تجربتك الثرة في هذا اللقاء في أرجاء الخريطة السياسية والمسرحية في الوطن العربي، مثلما جالت كلماتك المؤثرة عن المسرح في أرجاء العالم عبر اليونسكو بباريس، ومثلما تحين حلمك رؤى أخرى باحت بها كلماتك في أرمينيا.

كان حلمك ولا يزال، أن يكون المسرح المضطرب الشاسع في أوطاننا العربية، رؤية إنسانية تتجلى من خلالها آمالنا وإبداعاتنا، وكان همك الأول والأخير أن نحيا في كنف مسرح يسهم في توعية المجتمع والنهوض به.

لقد حفزتنا في هذا اللقاء، وفي كل لقاء تجمعنا فيه يا سلطان المسرح والثقافة، بأن نستثمر كل ما له علاقة بالفرجة في موروثنا العربي، وبالموروث في هذا التاريخ، كما حفزتنا على أن ننقب ونبحث ونستكشف من خلال هذا التاريخ حكايا لم تحك بعد.

أبدًا.. لم يكن همك وأنت تستجلي هذا الواقع، أن نقف عند حلول جزئية صغيرة عابرة، ولم يكن همك أن نرتقي بالمسرح عبر تخصيص جائزة هنا أو هناك، أو تلبية مساعدة مالية لإحدى الفرق في هذه الدولة أو تلك، فهذه الحلول بالنسبة لقلبك الكبير مقدور تلبيتها، وليست من قبيل حلمك بالتأكيد، لقد كان همّك أكبر من ذلك بكثير، إنك تذهب لرؤية أكبر وأوسع، إنك تذهب لسعة الأفق والمدى، والبعض يستجدي بك ضيقه ومحدوديته وزهد يده. كنت أيها السلطان، المسرح وكان المسرح بك، فهل نحن لائقون بما تمنحه لنا وللمسرح من فيض أحلامك ورؤاك وعطاياك؟ هل نحن ندرك بأن المسرح في سعة أفقك أكبر من أن يختصر في مسابقة أو مهرجان؟ هل نحن مدركون بأن التاريخ الذي تنقب وتحفر فيه بأرقك وقلقك وألقك، يحتاج لمن يقرؤه جيدا ويتأمله بعمق؟

أيها الذاهب بنا نحو المسرح الحلم والأمل، لا تصغي كثيرًا لمن يود أن يقودك إلى همه الصغير، فمثل هذا أو ذاك، لا يلبي أدنى حاجة يحتاجها حلمك الذي تسعى لتكوينه وتشكيله وإطلاق أجنحته في فضاء الإبداع المسرحي.

أملنا بك كبير يا سلطان المسرح والثقافة، ودمت لنا ودام المسرح بك وبمن يحتذي في الهم حلمك..

المصدر: جريدة الأيام البحرينية – يوسف الحمدان