حكايات في صور

عرض الكل

السياسة والثقافة.. حاكم الشارقة نموذجًا

تستهويني منذ سنوات طويلة شخصية الشيخ الدكتور سلطان القاسمي حاكم الشارقة وعضو المجلس الأعلى لاتحاد الإمارات وسليل بيت القواسم العريق، والذى درس في مصر في ستينيات القرن الماضي وارتبط بها وتذوق الشخصية المصرية بأبعادها الإيجابية والسلبية، وظل دائمًا على العهد وفيًا لها، فقد قالوا قديمًا إن البلد الذى يدرس فيه شخص ما قادمًا من خارجه هو وطنه الثاني، ولقد عاش الشيخ الدكتور في مصر سنوات الحلم القومي والمد العروبي، وزامل عددًا كبيرًا من رفاق الجامعة وأصدقاء العمر كان منهم عادل إمام وصلاح السعدني، وكنت أسمع عنه وأبدى إعجابي بوفائه وإخلاصه لأمته ووطنه، وكان لديه نهم دائم للمعرفة ورغبة مستمرة في العلم حتى استكمل دراسته وحصل على الدكتوراة من إحدى الجامعات العريقة في بريطانيا، إلى أن عاد لوطنه الأصيل وريثًا لحكم الإمارة التي تعتبر بحق واحة المعرفة وقلعة الثقافة، ولقد توثقت علاقتي بسمو الشيخ من زياراته للقاهرة خلال فترة عملي في مؤسسة رئاسة الجمهورية إلى أن دعاني مع مجموعة من المثقفين لزيارة الإمارة الناهضة والتعرف على مشروعاته الفكرية والتنموية، وكنت ألاحظ عامًا بعد عام أن الدنيا تتغيّر وأن الإمارة تتطور على نحو يدعو للانبهار والإعجاب، ولم يقف الأمر عند ذلك الحد بل امتدت يده إلى مشروعات عديدة في الدول العربية وفى مقدمتها البلد الذى درس فيه (مصر)، إذ يرجع إليه الفضل في إقامة عدد من المنشآت التعليمية والثقافية والجمعيات التنويرية المتخصصة إسلاميًا وعربيًا ومصريًا، ولم يبخل بالعطاء على تلك المؤسسات التي يرعاها بنفسه ويواصل الاهتمام بها مهما كانت الظروف أو حتى الصعاب.

ولقد اتصل بي غداة تسلمي العمل مديرًا لمكتبة الإسكندرية عام 2017 مهنئًا ومعبرًا عن دعمه الكامل للمكتبة كما فعل مع غيرها من الصروح الحضارية المعاصرة، والشيخ القاسمي عالم متخصص يستمد من التاريخ الفكري والتطور السياسي ملامح كل مرحلة، وقد ظل على عهده وفيًا لأمته مخلصًا لمبادئه في تسامح ظاهر ومحبة خالصة، وعندما جرت الأحداث الهامة في مصر في الفترة من 2011 حتى 2013 ساند الشيخ البلد الذى تعلم فيه وتخرج من جامعته مساندة تلقائية مباشرة دون إعلان أو صخب، فهو الذى عوض مكتبة المجمع العلمي المصري ببدائل كاملة عن الكتب التي احترقت في أتون الاضطرابات التي شهدها الشارع المصري في تلك الفترة، فضلاً عن مباني الجمعية التاريخية المصرية واتحاد المؤرخين ومبنى المجمع اللغوي وعشرات الإنشاءات التي يطول الحديث عنها، ولقد قامت أكاديمية الفنون المصرية بترشيح الشيخ لجائزة النيل العليا لعام 2024 وهى التي تمنح للمبدعين في الآداب والفنون، وقد كان التصويت في المجلس الأعلى للثقافة مدعاة للفخر إذ حاز اسم الشيخ معظم الأصوات في مظاهرة حب لرجل سعى دائمًا لإسعاد الآخرين واتسم بالوفاء في كل الأوقات.

لقد منحت مصر الشيخ الدكتور القاسمي الدكتوراة الفخرية منذ عدة سنوات من الجامعة التي تخرج منها وهى جامعة القاهرة، وها هي أعرق أكاديمية عربية للفنون ترشحه لجائزة المبدعين العرب فينالها بشبه إجماع من كبار مثقفي مصر اعترافًا بفضله وتكريمًا لاسمه وردًا لجمائله على الثقافة واللغة وفروع العلم والمعرفة، والشيخ لمن لا يعلم أديبٌ متألق ومؤرخٌ واسع المدارك، كأنما قد رصد حياته لمزيد من المعرفة وفتح أبواب التعلم من جانب، ومساعدة الآخرين فى جانب آخر دون انحياز لجنسية معينة أو دين بذاته، فلقد اختار الشيخ الدكتور سلطان القاسمي أن يكون خادم جميع الأديان تحت مظلة كل الأوطان.. أطال الله في عمره وزاد من فضله ونفع به بلاده وأمته ليضيف المزيد من الإسهام الطيب على الطريق الطويل للإنسان المعاصر في كل زمان ومكان.

المصدر: مصطفى الفقي – جريدة المصري اليوم