حكايات في صور

عرض الكل

ســـلطان.. الكتابة مسؤولية

لا يكاد يمر عام إلا ويحمل معه هدية جديدة للقارئ من قِبل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي رفد المكتبة العربية والعالمية بعشرات المؤلفات والإصدارات في مجالات فكرية وإبداعية مختلفة ومتنوعة تتضمن البحوث العلمية والكتابة المنقبة في التاريخ، فضلاً عن المؤلفات الإبداعية في المسرح والرواية والشعر واللغة، ولعل اللافت في هذه التجربة المختلفة أنها تستند إلى مصادر قديمة ومتنوعة حيث إن العديد من هذه المؤلفات بُنيت على مخطوطات تعود إلى عصور قديمة، كما أن صاحب السمو حاكم الشارقة سجَّل العديد من الزيارات لمتاحف ومراكز بحثية وعلمية ومكتبات حول العالم طلباً للدقة وتحرياً للموقف العلمي المنضبط والسليم والمنسجم مع التوجهات البحثية لسموه.

خلال هذا العام رفد صاحب السمو حاكم الشارقة المكتبة العربية بثلاثة مؤلفات جديدة وهي: «تاريخ القواسم»، و«القواسم في عمان»، و«البرتغاليون في بحر عُمان، أحداث في حوليات من 1497م إلى 1757م»، وقبل أن ينصرف العام الماضي، كان سموه قد أصدر كذلك عدد من المؤلفات الجديدة، التي تبيِّن قوة التنقيب والبحث التاريخي، ولعل المشترك بين هذه الكتب والمراجع الجديدة وكذلك القديمة لسموه أنها دائماً ما تحمل معلومات ووقائع جديدة سقطت من بين أيدي المؤرخين، وكذلك تصحيح الكثير من الحقائق المتداولة وذلك مثَّل تحدياً كبيراً أمام سموه تُوِّج في المحصلة النهائية بمعارف ومعلومات كثيرة وذلك يعود للبحث المضني والتنقيب المتواصل.

تنقيب

كتاب «تاريخ القواسم»، هو أحدث الكتب لصاحب السمو حاكم الشارقة وهو عمل تاريخي يتكون من خمسة أجزاء ويستعرض تاريخ القواسم على مدى ثلاثة عشر قرناً وهو مادة معرفية مشبعة بالمعلومات الجديدة غير المسبوقة التي تشير إلى حجم التنقيب الذي مارسه صاحب السمو حاكم الشارقة في هذا المرجع المهم، حيث يجد القارئ نفسه أمام منجز تاريخي موثَّقٍ لمجموعة من الأحداث التي مر بها القواسم خلال تاريخهم، ويطل الكتاب على العديد من المنعطفات والمنعرجات في ذلك التاريخ، ويستهل المرجع إبحاره من السنة الأولى للهجرة حتى العام 1840م، حيث يمارس الكتاب فعل الرصد لتاريخ القواسم وأبرز الوقائع والمنعطفات، متتبعاً الأحداث المهمة والتحولات الكبرى سواء أن كانت سياسية أو اجتماعية وكذلك الظروف التي شكَّلت حضور القواسم ومكانتهم في مشهد وتاريخ المنطقة.

مشهديات

هذا المرجع يتميز بالتتبع الدقيق لتاريخ القواسم موضوع البحث ويقدم صوراً ومشهديات حية لوقائع وأحداث تاريخية، حيث يقول صاحب السمو حاكم الشارقة في مقدمة الكتاب: «إن تاريخ القواسم، وتعاقب عصوره، لما تنوع فيه من حوادث، وفي صفحاته كشف للمألوف، وعرض لما جرى أيام البريطانيين، وما ألصق بهم من تُهم باطلة، دفعني للقيام بالبحث والتحقيق من خلال جميع الوثائق الخاصة بالمنطقة التي عاش بها القواسم، وآلاف الكتب التي لها صلة بهم. لقد استغرق ذلك مني أربعين سنة، متتبعاً تاريخ القواسم، منذ السنة الأولى للهجرة الموافق عام 622م إلى سنة 1240ه، الموافق عام 1825م»، ومن خلال تلك المقدمة يرجع القارئ بذاكرته نحو عشرات المؤلفات لصاحب السمو حاكم الشارقة والتي عمل فيه على أن تسطع الحقيقة وسط ظلمة المعلومة الزائفة والتي، ومع مرور الأيام، تم التعامل معها على أنها حقيقة فتُبنى عليها سرديات هي الأخرى مضللة، حيث كلل سموه الجهد البحثي بالتوصل إلى الوقائع والأحداث الحقيقية.

الكتاب يتسم بتبسيط المعلومة للمتلقي إضافة إلى الأسلوب السردي الممتع، كما أنه جاء مزوداً بالخرائط والمراجع والمصادر، بحيث يجد القارئ نفسه في رحلة معرفية ماتعة يتنقل بسلاسة من محطة إلى أخرى خلال الأجزاء الخمسة، إذ يتضمن الجزء الأول: القواسم بين المدينة والعراق، الجزء الثاني: القواسم بين الأحلاف والحروب، الجزء الثالث: القواسم بين رأس الخيمة والشارقة، الجزء الرابع: القواسم بين السلم والعداء، الجزء الخامس: القواسم بين التحطيم والاستسلام.

تفنيد يواصل صاحب السمو حاكم الشارقة بحثه الهادف إلى تفنيد المعلومات المضللة والمغلوطة من خلال كتابه الجديد «القواسم في عمان» وهو عبارة عن جهد متصل يسلط فيه سموه الضوء على الحقائق التاريخية حول تاريخ القواسم وحضورهم في سلطنة عُمان، ويهدف إلى تصحيح العديد من الروايات والمفاهيم التي تداولتها بعض المصادر على مدى عقود، حيث يُعد الكتاب إضافة نوعية للمكتبة العربية والخليجية، إذ يوفّر مرجعاً موثوقاً للباحثين والمهتمين بتاريخ المنطقة، وتنبع القيمة العلمية للإصدار في أن صاحب السمو حاكم الشارقة اعتمد على مراجع ووثائق أصلية ومصادر تاريخية متعددة ومتنوعة من أجل الوصول إلى الحقيقة وتحرياً للدقة والسرد الموثق للأحداث التي ربطت القواسم بعمان منذ القرن الثامن عشر وحتى بدايات القرن العشرين، حيث يحمل الكتاب ردوداً على العديد من التأويلات والتفسيرات التي انتشرت حول دور القواسم في منطقة الخليج، ويتوصل إلى حقائق علاقاتهم مع القوى الإقليمية والدولية لا سيما بريطانيا والبرتغال.

وتضم محتويات كتاب «القواسم في عمان»، العناوين: «القواسم في ساحل عمان»، و«القواسم على ساحل فارس»، و«القواسم العمانيون في جصة بمسقط»، و«القواسم العمانيون في سمائل»، وجاء في مقدمة الكتاب لصاحب السمو حاكم الشارقة: «في عام 2021م، كتبت كتاباً بعنوان (القول الحاسم في تاريخ ونسب القواسم)، والذي استغرق البحث في مصادره أربعين سنة، لم أستطع في تلك الأيام أن أكتب عن القواسم العمانيين، لقلة المصادر التي تربطهم بالقواسم في الشارقة ورأس الخيمة. بعد مرور أربع سنوات من البحث، وفقني الله تعالى إلى أن أجد المواد التاريخية، والتي مكنتني من أن أكتب تاريخ ونسب القواسم العمانيين».

حوليات

من المؤلفات الكبيرة التي صدرت خلال هذا العام لصاحب السمو حاكم الشارقة، كتاب: «البرتغاليون في بحر عمان: أحداث في حوليات من 1497م إلى 1757»، ويعالج وقائع وأحداث في حقبة تاريخية معينة وهو يُعد موسوعة تاريخية ضخمة توثق فترة حاسمة من تاريخ منطقة الخليج العربي وبحر عُمان، تمتد على مدار 260 سنة. يتكون العمل من 21 مجلداً، ويستند إلى أكثر من 1138 وثيقة تاريخية نادرة، جُمعت وترجمت على مدار 36 عاماً من البحث الدقيق في الأرشيفات البرتغالية والهولندية والبريطانية والهندية.

ويعتمد الكتاب على منهج الحوليات، حيث يسرد الأحداث سنة بسنة، موثقاً تحركات الأساطيل البرتغالية في بحر عُمان، والمعارك التي خاضتها، والاتفاقيات التي أبرمتها مع سلاطين الهند بهدف عزل عُمان عن التجارة الإقليمية ويكشف عن حقائق تاريخية تُنشر لأول مرة، ويعرض رسائل ومؤلفات برتغالية نادرة، مما يمنح القارئ رؤية معمقة لطبيعة الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة خلال تلك الحقبة.

الكتاب لا يقتصر على السرد التاريخي، بل يضم تحليلاً علمياً رصيناً، مدعوماً بالأدلة والوثائق الأصلية، ويبرز الأطماع البرتغالية في الخليج العربي وأساليبهم في السيطرة البحرية واستخدامهم المتفوق للأسلحة النارية مقابل الأسلحة التقليدية المحلية. كما يوضح كيف كان البرتغاليون يسيطرون على الجزر والموانئ دون احتلال دائم للبر، ويستعرض تأثير ذلك على حركة التجارة والمجتمعات المحلية، هذا العمل الموسوعي ليس موجهاً فقط للباحثين والمؤرخين، بل أيضاً لعامة القراء المهتمين بتاريخ المنطقة، حيث يتيح لهم الاطلاع على وثائق أصلية مترجمة إلى العربية والإنجليزية، يُعتبر الكتاب مرجعاً لا غنى عنه لفهم تاريخ الخليج العربي وعُمان في مواجهة القوى الاستعمارية الأوروبية، ويعكس الجهد العلمي والثقافي الكبير الذي بذله المؤلف في خدمة تاريخ المنطقة.

ومن الأعمال الجديدة لصاحب السمو حاكم الشارقة كذلك: «تيه الغرام»، وهي رواية حقيقة وموثقة توثيقاً محكماً، وتتناول أحداث بعثة محمد رضا بك إلى فرنسا، وتبدأ تفاصيلها من حيث انتهت رواية «الجريئة»، ماري كلود بِتي التي انتهت بالفشل، لعدم الحصول على مساعدة من فرنسا لمقاومة نشاط العمانيين في الخليج العربي.

تجــــــــوال

«البحث عن الحقيقة» هو العنوان العريض لمشروع الكتابة عند صاحب السمو حاكم الشارقة، فالزيارات التي يسجلها للتاريخ القريب والبعيد إنما تعمل على مراجعة الوقائع وإزالة الشوائب واللبس والزيف المتراكم على ظهر الحقيقة، وهناك الكثير من الروايات التاريخية التي طالما تعامل معها البشر سواء على المستوى العربي والإسلامي أو بقية أنحاء العالم على أنها حقائق راسخة تشكلت منها العديد من السرديات الثابتة إلا أن بحوث صاحب السمو حاكم الشارقة أثبتت خطأها أو على الأقل عدم دقتها، كما أن العديد من أبحاث سموه عملت على مراجعة الصورة الذهنية النمطية التي تكونت في الغرب عن الشرق والعالم العربي والإسلامي، وعمل على تبديدها بقوة المنطق وحقائق التاريخ.

وفي المؤلفات التاريخية لسموه، لا نقف فقط على ولعه الكبير بالتاريخ، بل وكذلك بدقة التوثيق والبحث من أجل تأليف مادة تثق فيها الأجيال، كما نلاحظ المصادر المتعددة لسموه في مؤلفاته التاريخية، وقوة التقاط التفاصيل الحياتية وتوظيفه للمعلومات، وما يدور في الذاكرة الشعبية والتراث، ليصنع من كل تلك التفاصيل موضوعاً تاريخياً بأسلوب إبداعي يحضر فيه المؤرخ والأديب معاً في تآلف مميز يندر أن نجد له مثيلاً، والكتابة التاريخية عند سموه تستهدف عدة غايات منها عكس الثقافة العربية والإسلامية والتراث الخالد، وكذلك تصحيح كثير من الجوانب التي طالتها يد التزييف، أو ما غفلت عنه كتب التاريخ، وفي بعض المؤلفات ينصب سموه محاكمة للروايات التاريخية، حيث يواجه الحجة بالحجة، والمنطق بالمنطق، ليحاصر ما سقط من التاريخ بالمخطوطات والوثائق، وعبر منهج صارم في السرد التاريخي.

فتوحات كبيرة لعل من أبرز المؤلفات التاريخية التي تجلى فيها قلم صاحب السمو حاكم الشارقة وحقق من خلالها فتوحات كبيرة: «نظم الفوائد في سيرة ابن ماجد»، وهو المنجز الذي يستكمل فيه سموه جهده البحثي في تصحيح التاريخ العربي والإسلامي، خاصة في ما يتعلق بسيرة البحار العربي أحمد بن ماجد، وهناك أيضاً كتاب «تحت راية الاحتلال»، و«رحلة بالغة الأهمية»، «وصراع القوى والتجارة في الخليج 1620-1820م»، و«زنوبيا ملكة تدمر»، و«مراسلات سلاطين زنجبار»، و«القواسم والعدوان البريطاني (1797-1820)»، و«حقيقة تاريخ عمان»، و«ذكريات مصرية»، وغير ذلك من مؤلفات تاريخية ثمينة أثبت فيها سموه حقيقة أن التاريخ لا يكتب بالأهواء ولا بالقوة.

جـــــــــواهر

بعض المؤلفات التاريخية لصاحب السمو حاكم الشارقة أصبحت بمثابة جواهر ومراجع عالمية لا غنى عنها، وتقف شاهدة على المقدرة والبراعة في التجوال التاريخي وتحمل بعض الإصدارات بين طياتها مرافعات تاريخية، ولعل من أهم تلك المؤلفات كتاب «إني أدين»، وهو من المراجع التي اكتسبت أهميتها من كونها تشكل حائط صد وجهد يحاصر التاريخ الرسمي المضلل الذي كتبه الإسبان، حيث يتناول مأساة المسلمين الموريسكيين بعد سقوط غرناطة، في الثاني من 2 أبريل من عام 1492، وكان آخر ملوكها هو «أبوعبدالله الثاني عشر» المعروف باسم أبو عبدالله الصغير، «1460–1527»، وقد كان ملكاً على غرناطة، وهو من بنى نصر من ملوك الطوائف، وقد استسلم لفرديناند الثاني، وقد أطلق عليه الإسبان وصف «el chico» أي الفرخ، بينما سماه أهل غرناطة «الزغابى».

والكتاب يتحدث عن الجرائم التي مورست في حق المسلمين، ويحتوي على عشر وثائق تقف دليلاً في وجه فئات من الشعب الإسباني في تلك الفترة، ويتبع سموه في الكتاب منهجاً لافتاً، يعتمد على وضع الإدانات وتبيانها ثم عرضها وتفنيدها واحدة تلو الأخرى، ولأن الكتاب يستهدف أكبر قاعدة من الناس فقد اعتمد على لغة مباشرة بسيطة سلسة، بحيث لا يقع أي لبس يؤدي إلى تفسير مختلف، مع سرد الوقائع المتعلقة بكل إدانة، وإرفاق المستندات والصور والوثائق التاريخية الداعمة باللغتين الإسبانية والعربية، من أجل إقامة الحجة والدليل.

مــــــرجع

وكذلك من تلك المؤلفات التي تكتسب الطابع العالمي من حيث إثارتها لقضية تتعلق بالعلاقات العربية والغربية، كتاب: «محاكم التفتيش.. تحقيق لثلاثة وعشرين ملفاً لقضايا ضد المسلمين في الأندلس»، فهو الآخر مرجع ضخم يقع في جزأين، وهو يتناول محاكم سرّية، تمارس الإعدام والحرق، وأموراً كثيرة في حق المسلمين في الأندلس، ويحتشد بالمخطوطات التي تحمل في طياتها التاريخ المأساوي، والتي ظلت محفوظة في سرية، وهو يؤكد على فظاعة تلك الجرائم، ويحتوي الكتاب على أكثر من 23 مخطوطة في صورة ملفات محاكمات، ويقودنا إلى تلك المجاهيل المظلمة في التاريخ السري لإسبانيا، حيث محاكم التفتيش بكل قسوتها، والتي غابت عنها قيم القانون وتحري العدالة، ويكشف تلك المحاولات غير الإنسانية والمتمثلة في الإرادة القسرية للكاثوليك في تحويل المسلمين عن دينهم تحت مختلف أنواع الترهيب والتهديد.

إســــــــهام

إلى جانب حقيقة أن صاحب السمو حاكم الشارقة يُعد الداعم الأول للمسرح العربي، وهو الذي جعل من الشارقة والدولة مركزاً يعرف بالممارسات المسرحية في إطار المشروع الثقافي لسموه، فإن الملاحظة الأبرز في هذا السياق هو الإسهام الإبداعي والفكري في الحقل الجمالي المسرحي لسموه عبر الكتابة في مجال «أبو الفنون»، سواء عبر تأليف النصوص أو البحوث المتعلقة بالمسرح، وكذلك المقولات الخالدة في المناسبات المسرحية المختلفة، حيث إن لصاحب السمو حاكم الشارقة فلسفة حول رسالة «أبو الفنون»، فهو يرى: «أن المسرح مدرسة للفضيلة والأخلاق، ومن الأمانة المحافظة عليه، وأنه رسالة لا بد من الاهتمام بكيفية توصيلها، وإلى من نرسلها، وما هو محتواها إلى مجتمعاتنا»، حيث اشتهرت نصوص سموه المسرحية وترجمت إلى عروض قدمت في العديد من المناسبات المحلية والعربية والعالمية، وهي المؤلفات التي تنتصر لقيم العروبة والإسلام وهي وتحتشد بالأفكار والمعاني، وجالت في التاريخ، وحرصت على أن تطل على الواقع الاجتماعي.

ومن أبرز تلك الأعمال المسرحية التي قدمها صاحب السمو حاكم الشارقة للمسرح العربي والعالمي: «عودة هولاكو»، و«القضية»، و«علياء وعصام»، و«داعش والغبراء»، و«النمرود»، ومن الأعمال المسرحية الجديدة لسموه: «مجلس الحيرة»، والعديد من النصوص.

ســــــرديات

في مجال السرد، فإن صاحب السمو حاكم الشارقة، قدم العديد من النصوص والمؤلفات التي يتواصل فيها الجهد البحثي والتاريخي بمنطق الكتابة السردية بأبعادها الجمالية والفكرية، حيث تحفل عوالمه السردية بالفكرة والمعنى، وتسافر معظم تلك الأعمال في رحلة عبر التاريخ، فتحاوره وتحاكمه وتستلهم قيمه، من أجل أن تطل على الواقع الراهن، وهي أعمال، إلى جانب قيمتها المعرفية، حافلة بالمتعة والجمال، فهي ليست محض سرد يتناول التاريخ، بل يعالج الراهن من القضايا الشائكة والمشتبكة، من أجل تقديم الحلول والمساهمة في تفسير الواقع، وتتميز كتابات سموه باللغة التي تميل نحو السهل الممتنع، والتي تجعل القارئ يهتم بمواصلة القراءة من دون انقطاع، وكذلك فإن توظيف تلك اللغة يشير إلى رغبة المؤلف في أن تصل رسائل رواياته ومؤلفاته السردية إلى المتلقين، كما أنها تؤكد سعة اطّلاع صاحب السمو حاكم الشارقة، ومقدرته على تحويل تجاربه مع الاطّلاع على المؤلفات والمصنفات والمعاجم الصعبة والبحث المتأني، إلى مادة مقروءة للمتلقين من مختلف الخلفيات والمستويات والأعمار، كما أن سموه يوظف العديد من التقنيات السردية ليمرّر عوالم وأحداث الرواية، منها الوصف القوي الذي يقدم إضاءات كبيرة ويجعل القارئ في قلب الحدث التاريخي، وكذلك ممارسة قدر كبير من التحليل والتفسير لبعض ما يحيط بالوقائع والشخوص والأحداث التاريخية، إلى جانب وضعه لملحق بأسماء المراجع والمصادر التاريخية، وذلك يؤكد أن الكتابة مسؤولية عند سموه، يتصدى لها بأمانة ونزاهة، وبموقف ورؤية، حيث إن جميع تلك المؤلفات السردية تحمل رسائل وتحتشد بالرؤى، وفي كل مرة يسجل فيها سموه زيارة للتاريخ يخرج للقراء والمهتمين بالأدب والمعرفة بجديد، ومختلف، ومغاير.

كثيرة هي المؤلفات السردية التي قدمها صاحب السمو حاكم الشارقة، منها ما أصبح بمثابة علامات روائية خالدة، ومن تلك النصوص هناك: «الجريئة»، و«الحقد الدفين»، و«الأمير الثائر»، و«رأس الأمير مقرن»، و«بيبي فاطمة وأبناء الملك»، و«الشيخ الأبيض»، و«فيليب العربي»، وغير ذلك من الدرر السردية التي تدعو للتمسك بالقيم ومكارم الأخلاق والمعاني الرفيعة.

ســــــــير

إلى جانب الرواية فقد برع صاحب السمو حاكم الشارقة في مجال قريب من الطابع والأسلوب السردي، وهو السيرة وسرد الذات، وهو من الأجناس الإبداعية ذات الخصوصية في الأدب، حيث يهتم بالشخوص والأماكن، حيث يأخذنا سموه في تلك المؤلفات في تفاصيل رحلة بديعة محتشدة بالقيم الجمالية والفكرية والمعاني السامية، ومن أهم تلك الإصدارات كتاب: «سيرة مدينة»، وهو كتاب عن إمارة الشارقة، وهناك أيضاً نص أخر بعنوان «سرد الذات»، يمزج بين الأدب والفكر والسرد، فهو يحمل توثيقاً للكثير من التفاصيل الحياتية، ففيه يتحدث صاحب السمو حاكم الشارقة، عن نفسه كشاب طموح، خاض غمار الحياة بكل تفاصيلها الممتعة والقاسية، وتفاصيل رحلته في الحياة قبل توليه مقاليد الحكم، وهناك العديد من المؤلفات الأخرى.

عبـــق القصيد

أفرد صاحب السمو حاكم الشارقة مساحة مقدرة للكتابة في الشعر والقصيد من خلال عدد من المؤلفات والكتب ذات الطابع التوثيقي والتأريخي، لجده الشيخ سلطان بن صقر بن خالد القاسمي حاكم الشارقة «1924 1951م»، مثل: «نشيج الوداع القصائد الأخيرة للشيخ سلطان بن صقر بن خالد القاسمي». و«مساجلات شعرية بين الشيخ سلطان بن صقر وصديقه الشيخ محمد بن عبد العزيز الصديقي»، و«الطيب في قصائد الشيخ سلطان بن صقر القاسمي»، فهو من خلال تلك المؤلفات يبحر في عوالم التجربة الشعرية لجده، ويعيد تسليط الضوء عليها، خاصة أنها أشعار قد امتازت بالفصاحة والجزالة والأصالة العربية، ويأتي الاهتمام بها في سياق الحفاظ على المنتج الشعري لمبدعي الإمارات، خاصة في مجالي النظم الفصيح والنبطي، وكذلك في مجال حفظ اللغة العربية، عبر التوثيق لتلك الأعمال التي تحتشد بالمفردات والألفاظ الأصيلة، ولقد سكب صاحب السمو حاكم الشارقة، جهداً توثيقياً ومعرفياً كبيراً في هذا الصدد، فقد عمل على تحقيق تلك الأعمال وشرحها بطريقة أدبية ممتعة ورفيعة تشجع القارئ على الاطلاع عليها.

العناية باللغة

كرس صاحب السمو حاكم الشارقة جهداً كبيراً في خدمة اللغة العربية والحفاظ عليها حيث ظل يؤكد على أن العربية هي اللغة الأصل لكافة لغات العالم، لأنها لغة سيدنا آدم عليه السلام التي اختصه بها الله سبحانه وتعالى، وأن هناك أموراً غير صحيحة تاريخياً في دراسة اللغات واللسانيات في العالم يجب أن يتم تصحيحها، وهي الجهود التي تكللت بإصدار «المعجم التاريخي للغة العربية» الذي رأى النور مكتملاً في 127 مجلّداً، حيث أكد سموه في أكثر من مناسبة أن الإمارة ماضيةٌ في جهود دعم ونشر وتعليم وتدريس اللغة العربية في مختلف أنحاء العالم، وحفظها، من خلال العديد من المشاريع الخاصة ومن أهمها هذا المرجع المهم «المعجم التاريخي للغة العربية»، الذي يتضمن حصر تاريخ هذه اللغة العظيمة على امتداده، وتاريخ علاقتها بمن تداولوها، وهو ما يسهم دون شك في إثراء مصادر دارسيها وتعميق ثقافة متعلميها والمتحدثين بها، وحمايتها من الزوال والتشويه.

تشـــــــــــويق

من الأعمال التي صدرت كذلك في عام 2024، لصاحب السمو حاكم الشارقة، كتاب: «الخنجر المرهون»، وهي رواية تطوف في أرجاء الماضي الجميل، فتسرد وقائع يكتنفها التشويق والإثارة، وتحكي مسيرة قارئ ومفكر فذّ، وتروي مشاهد مملوءة بالمواقف التي تختلط فيها العبر بالعبرات، وتنم عن تضحية واجتهاد، وعزيمة وإصرار، دون كلل ولا ملل، بعين ثاقبة، ورؤية واضحة، ونفس طموحة، ترسم مستقبل إنسان يرسم مستقبل أُمة.

وهي من النصوص السردية التي تظهر فيها الملكات السردية والأسلوبية التي تميز النصوص الروائية لصاحب السمو حاكم الشارقة التي تذهب نحو الماضي منقبة ومستلهمة، وجاء تصدير «منشورات القاسمي» للكتاب: «فالخنجر الذهبي المرهون يحمل تاريخاً مجيداً، يحكي قصة كفاح، ويبوح عن مخبآت النجاح، ويرشد إلى النهج القويم في إعداد جيل مثقف واعٍ قارئ، يعرف للكتاب قيمته، ويقدر للعلم قدره، ويحتفي بالتراث الأدبي العربي، ويشيد بما جادت به أقلام الأقدمين، وسار على دربهم اللاحقون، ويحمل في طياته دعوة لكل فرد بأن يسير على هذا الدرب ويقتفي هذا المثال، وينسج على ذاك المنوال، فطريق العلم محفوف بالتضحيات ومحاط بالعقبات، لكن ثمرته عز وسيادة، وعاقبته تميز وريادة».

مخطـــــــوطات

تتميز تجربة التأليف عند صاحب السمو حاكم الشارقة بالغزارة والإنتاج المتواصل، ولإن رفد سموه المكتبة بالعديد من الإصدارات الجديدة في عام 2025، فإننا نجد كذلك أن خواتيم عام 2024، حملت كذلك عدداً من المؤلفات المهمة في مجالات مختلفة، ولعل من أهم تلك الإصدارات كتاب: «مختارات من جرون نامه»، وفيه يحقق سموه مخطوطاً فارسياً قديماً.

والإصدار بالإضافة إلى قوة معناه، ومحتواه، فهو كذلك جميل في شكله، وفي عرضه، تحفة فنية على ما احتواه من مخطوطات، وعلى ما احتواه من صور جميلة، غاية في الجمال، تم انتقاؤها بعناية، وليس فقط ما انتقي في الكتاب هي الصور، واللوحات، وصفحات المخطوط، وإنما كذلك الموضوعات.

والكتاب يحوي مجموعة من الموضوعات، المقدمة، فالتمهيد، والفصل الأول يتحدث عن احتلال قشم من قبل الإنجليز والفرس، والفصل الثاني يتحدث عن الفرقة العسكرية من الأكراد في الجيش الفارسي، الفصل الثالث يتحدث عن حصار هرمز وسقوطها في أيدي الإنجليز والفرس، والفصل الرابع يتحدث عن احتلال الفرس مدن الساحل الشرقي لعمان، ثم هوامش الكتاب، وهو كتاب يحوي عدداً كبيراً من الهوامش، جعلت في آخر هذا التحقيق العلمي.

المصدر: جريدة الخليج الثقافي – إصدار خاص