حكايات في صور

عرض الكل

سلطان.. موقف أخلاقي ثقافي نبيل

مرحلة جديدة وحياة أفضل، فما عاد الفنان المصري خائفاً في آخر حياته من البرد والجوع والمرض. لا ينتظره رصيف موحش، ولا شيخوخة مهينة. إن له في ما تبقّى له من عمر مأوى وطبيباً ومكتبة. له حياة كريمة تليق بالإنسان الذي عرف الفن والجمال.

مكرمة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، بإنشاء دار المسنّين لفناني مصر وتخصيص وديعة مالية لتسيير شؤون الدار، موقف أخلاقي وثقافي في الوقت نفسه، نابع أولاً من ذات إنسانية عالية النبل، وسموه يعرف مصر ويعرف العديد من مثقفيها وكتّابها وفنّانيها، يعرف سموه أن الفنان المصري الذي تقدم به العمر ونفسه عفيفة، كان قد أعطى شبابه لبلاده وللشعب العربي الذي عرف السينما والمسرح من مصر، ومن فنّاني مصر.

مصر في قلب صاحب السمو، حاكم الشارقة. مصر هي بلد دراسة سموه الجامعية. ومصر بلد تكوينه الثقافي والمعرفي والأدبي الأول. كان سموه قد رأى أولئك الفنانين وهم شباب، إمّا في الجامعات وإمّا في المسارح، وإمّا في مناسبات ثقافية لم تغب عن ذاكرته، فكانت مكرمته تلقائية وسريعة، بكل نبل المعطاء، وبكل شفافية الكريم.

اليوم يطمئن الفنان المصري الذي قد يشعر بتحدي الزمن والحظ والمصير.. يطمئن إلى أن هناك قلباً معه، ويداً تحنو عليه، في كبره وفي ضعفه وفي شيخوخته، حيث الإنسان يشفّ و«يتصفّى» بذاته العفيفة النقية.

نقول ذلك والذاكرة المصرية تحتفظ بأسماء فنانين وممثلين وشعراء وأدباء، كان الرصيف مأواهم القاسي في آخر أعمارهم. ماتوا أو جُنّوا أو فقدوا الذاكرة جرّاء الإهمال والغبن والنكران، في مصر وفي العالم كلّه العربي وغير العربي، فليس للقسوة جنسية أو جنس.

مكرمة صاحب السمو، حاكم الشارقة، للمسنّين من فناني مصر، هي إعادة اعتبار للإنسان أولاً، كما هي احترام حاكم مثقف لتاريخ الفن الذي أنجزه كل مَن هو بحاجة إلى مثل هذه الإقامة الكريمة في دار تحفظ للكائن البشري كرامته ومعناه الآدمي.

عمل ثقافي أولاً، وإنساني ثانياً، يتكامل مع الوضع النقابي الطبيعي والقانوني للفنانين الذين يرون أنهم بحاجة إلى هذه الدار العائلية الكريمة في أم الدنيا؛ بلد المحبة واللطف وخفّة الروح.

المصدر: جريدة الخليج – يوسف أبو لوز